في خطوة ستثير جدلًا واسعًا داخل ألمانيا وخارجها، أعلنت الحكومة الألمانية رفع التجميد الجزئي المفروض على صادرات الأسلحة إلى إسرائيل، ابتداءً من 24 نوفمبر الجاري، وذلك بعد أكثر من ثلاثة أشهر على فرض القيود التي ارتبطت بالحرب الإسرائيلية على غزة.
المتحدث باسم الحكومة، شتيفان كورنيليوس، أكد أن القرار جاء استنادًا إلى “استقرار نسبي في الهدنة القائمة منذ 10 أكتوبر/ تشرين أول بين إسرائيل وحماس”، وإلى ما وصفه بـ”الجهود المتزايدة لبلوغ حلّ دائم” في القطاع، إضافة إلى زيادة المساعدات الإنسانية وإعادة الإعمار. ومع ذلك، شدّد كورنيليوس على أن برلين ستعود إلى نظام التدقيق في كل حالة على حدة وستراقب التطورات الميدانية بدقة.
وعاد ملف السلاح إلى واجهة النقاش بين برلين وتل أبيب. بعد دعوة السفير الإسرائيلي في ألمانيا، رون بروسور، الحكومة الألمانية إلى رفع القيود المفروضة على صادرات السلاح إلى إسرائيل، معتبرا أن الهدنة الحالية في القطاع تشكّل، بحسب تعبيره “سبباً وجيهاً” لإنهاء ما وصفه بـ”الحظر” على تزويد بلاده بالأسلحة.
بروسور انتقد ما اعتبره اكتفاء برلين بـ”الكلام الجميل” عن حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، قائلاً إن هذا الحق يفقد معناه إذا لم تُمنَح تل أبيب الوسائل العسكرية التي تطلبها. بحسب ما نشرت صحيفة تسايت الألمانية.
وبحسب صحيفة هاندليز بلات الألمانية، فإن قرار برلين تزامن مع توترات متزايدة على الحدود اللبنانية، حيث أعلنت قوة اليونيفيل أن جنودًا إسرائيليين أطلقوا النار على دورية أممية كانت تقوم بمهامها جنوب لبنان، من مسافة خمسة أمتار فقط.
القوة الدولية وصفت الحادث بأنه انتهاك خطير لقرار مجلس الأمن 1701، مؤكدة أن الدورية اضطرت للاحتماء بعد تعرضها لرصاص من دبابة إسرائيلية كانت داخل الأراضي اللبنانية. الجيش الإسرائيلي برّر الواقعة بسوء الأحوال الجوية والاشتباه الخاطئ.
التوتر مع الفلسطينيين
بالتوازي مع ذلك، نشرت الصحيفة الألمانية اتهامات للأمم المتحدة تتحدث عن أكثر من 260 هجومًا نفّذه مستوطنون إسرائيليون على فلسطينيين وممتلكاتهم في الضفة الغربية خلال أكتوبر وحده، وهي أعلى حصيلة منذ بدء التوثيق عام 2006.
منظمات حقوقية فلسطينية وإسرائيلية تؤكد أن الاعتداءات باتت منهجية، وأن حكومة بنيامين نتنياهو اليمينية المتطرفة تغضّ الطرف عنها، بسبب اعتمادها على الأحزاب الدينية القومية المتشددة.
نتنياهو نفسه حاول التخفيف من الضغوط، معتبرًا أن العنف يمارسه عدد قليل من المتطرفين، بينما تقول جهات ميدانية إن الظاهرة أوسع بكثير مما تصوّره الحكومة.
كما جدّد نتنياهو رفضه القاطع لأي دولة فلسطينية، ردًا على احتجاجات شركائه اليمينيين عقب طرح مشروع قرار في مجلس الأمن يلمّح إلى مسار نحو استقلال فلسطيني.
الوزيران المتطرفان إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش هدّدا بإسقاط الحكومة إذا لم يُجهض نتنياهو أي محاولة لإحياء فكرة الدولة الفلسطينية. وهو ما دفع رئيس الوزراء للتأكيد أن موقفه ثابت.
في المقابل، تواصل منظمات حقوقية ونشطاء في ألمانيا وأوروبا التساؤل عن مدى اتساق استئناف تصدير السلاح لإسرائيل مع القانون الدولي، ومع صور المخيمات المدمرة في غزة والبيوت المهدّمة والأطفال الذين ينتظرون العلاج والغذاء تحت الحصار.
وبحسب صحيفة تسايت الألمانية، فإن القوى السياسية الكبرى خارج ألمانيا، تبدي اهتماماً بثمن الحرب السياسي والإنساني. فقد أعلن وزراء خارجية مجموعة الدول السبع الصناعية دعمهم لخطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإنهاء الحرب على غزة، مطالبين جميع الأطراف بالعمل “بشكل بنّاء” لتنفيذ المراحل التالية من الخطة، بما في ذلك تثبيت وقف إطلاق النار والتوصل إلى تسوية أوسع في المنطقة.
وأشارت صحيفة تسايت، أنه وفي ما يبدو محاولة للرد على الانتقادات الدولية، أعلن الجيش الإسرائيلي فتح معبر زيكيم شمالي القطاع لعبور قوافل الإغاثة. ومن المفترض أن يسمح هذا المعبر بوصول مزيد من الشاحنات المحمّلة بالغذاء والدواء والمواد الأساسية إلى غزة.
لكن منظمات دولية وإنسانية تؤكد أن ما يدخل فعلياً ما يزال بعيداً جداً عن تلبية الاحتياجات الهائلة لسكان القطاع، حيث مئات آلاف النازحين يعيشون في خيام مؤقتة أو في مبانٍ مهدّمة جزئياً، وسط نقص في مياه الشرب، وأزمات في الصرف الصحي، وغياب مستلزمات الرعاية الصحية الأساسية.
أحد أبرز مظاهر هذا النقص يمسّ مباشرة صحة الأطفال. فقد أعلنت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) أن حملة تطعيم موسعة كانت تخطط لتنفيذها في غزة تواجه شللاً شبه تام، لأن نحو 1.6 مليون حقنة ضرورية للتطعيم ما زالت عالقة عند المعابر، ضمن قائمة المواد التي تشترط إسرائيل موافقات خاصة على إدخالها.
كما تشير المنظمة إلى أن ثلاجات تعمل بالطاقة الشمسية، مخصّصة لحفظ اللقاحات، ما زالت هي الأخرى موقوفة عند نقاط التفتيش منذ أشهر، الأمر الذي يهدد صلاحية اللقاحات وقدرتها على حماية الأطفال من أمراض يمكن الوقاية منها مثل شلل الأطفال والحصبة.
وبالتوازي، تحاول يونيسف ووكالات أخرى توزيع البطانيات والملابس الشتوية وأحذية الأطفال، لكن واقع العائلات التي تعيش في خيام غير مجهزة للبرد يعكس فجوة كبيرة بين ما يصل من مساعدات وما يحتاجه سكان القطاع فعلياً.
وتحاول بعض العواصم الأوروبية بحسب صحيفة تسايت تقديم مبادرات تتجاوز إدارة الأزمة اليومية. ففي باريس، أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والرئيس الفلسطيني محمود عباس الاتفاق على تشكيل لجنة مشتركة للتأسيس لمرحلة الدولة الفلسطينية، عبر بحث الجوانب القانونية والدستورية والتنظيمية، ووضع تصور لدستور جديد.
ماكرون تعهّد أيضاً بتقديم مئة مليون يورو كمساعدات إنسانية لغزة، في إشارة إلى أن باريس تريد الجمع بين الخطاب السياسي حول “حل الدولتين” وبين خطوات عملية تخفف من حدة الكارثة الإنسانية في القطاع.
الكلمات المفتاحية: التوترات, ترفع, القيود, تصدير, رغم, تصاعد, المنطقة, غزة, ألمانيا, لإسرائيل, السلاح.