غزة – إذاعة صوت الوطن
كتب وسام زغبر عضو الأمانة العامة لنقابة الصحفيين الفلسطينيين، مقالاً قال فيه،
مرة أخرى، تُعيد سلطات الاحتلال الإسرائيلي إنتاج مفهوم العدالة وفق منطقها الخاص: عدالة بلا مرافعات، ومحاكم بلا حضور، وأوامر عسكرية تفرّغ القانون من مضمونه. فقد أعلنت هيئة شؤون الأسرى والمحررين عن استمرار تجديد حالة الطوارئ في المحاكم العسكرية حتى نهاية الشهر الجاري، الأمر الذي يعني عمليًا تجميد كافة جلسات المرافعات القضائية الخاصة بالأسرى، والإبقاء فقط على جلسات التمديد والتوقيف، وتثبيت أو استئناف الاعتقال الإداري. ولم يكتفِ الاحتلال بذلك، بل أصدر أمرًا عسكريًا جديدًا يقضي بـمنع أهالي الأسرى من حضور جلسات التمديد في محكمة “عوفر” العسكرية، لتُستكمل بذلك سلسلة الإجراءات الهادفة إلى قطع آخر جسور الصلة بين الأسرى وعائلاتهم.
تحلّل متدرّج من المعايير القانونية
بهذه الخطوات، تتحول المحاكم العسكرية إلى غرف توقيف جماعي، بلا عدالة ولا شهود ولا رقابة. فهي أصلًا لم تكن تلتزم بالمعايير الدولية للمحاكمة العادلة، والآن تشرعن الطوارئ الدائمة، في مخالفة صريحة للمادة (71) من اتفاقية جنيف الرابعة، والتي تنص على:
“يجب إجراء المحاكمات بصورة علنية، وللمتّهم حق الدفاع عن نفسه، واستدعاء شهود، وأن يُسمح لأقاربه بحضور الجلسات”. ما يجري هو نزعٌ ممنهج لهذه الحقوق تحت ذريعة “الظرف الأمني”، ليُصبح الاستثناء قاعدة، ويُحاكم الفلسطينيون في غرف مغلقة، دون دفاع حقيقي أو رقابة أو سند عائلي.
من الأمن إلى العقوبة الجماعية
ما تسميه سلطات الاحتلال “حالة طوارئ”، هو في جوهره نظام إداري عقابي يسعى لعزل الأسير نفسيًا واجتماعيًا. وتجميد المرافعات لا يعني فقط تأجيل الإجراءات، بل يعني عمليًا:
· تقييد الدفاع القانوني للأسرى
· منح النيابة العسكرية تفوقًا ميدانيًا دون مساءلة
· تمديد الاعتقالات دون رقابة فعلية
· تجريد الأسرى من التفاعل مع عائلاتهم أو الرأي العام
إن غياب الأهالي عن الجلسات يُجرّد الأسير من نصف قوته المعنوية، ويحرم العائلة من حقها الطبيعي في المساندة والمراقبة. وهو شكل من أشكال العقوبة الجماعية التي تمارسها إسرائيل ضد العائلات الفلسطينية.
أين العالم؟
في ظل هذا الانهيار القانوني، يقف العالم عاجزًا، بل ومتواطئًا بالصمت. فما كانت دولة الاحتلال لتُمعن في هذا السلوك الاستثنائي لو وُوجهت بموقف قانوني دولي حازم. لكن الصمت الدولي على الانتهاكات المستمرة بحق الأسرى، شجّع الاحتلال على تحويل “الاستثناءات” إلى قواعد ثابتة داخل أروقة محاكمها العسكرية.
لا شرعية لمحاكم بلا عدالة
ما تقوم به سلطات الاحتلال من تغييب للمرافعات ومنع لحضور الأهالي هو انقلاب واضح على القانون الدولي، واغتيال للعدالة في وضح النهار. ولذلك، فإن واجب المؤسسات الحقوقية الفلسطينية والدولية أن تصرّح علنًا: المحاكم التي تُدار بالأوامر العسكرية، والتي تُغلق أبوابها أمام الدفاع والشهود، لا يمكن الاعتراف بها كمنظومة قانونية، بل هي أدوات قمع سياسي بغطاء قضائي زائف. الأسير الفلسطيني لا يُحاكم فقط، بل يُعاقب دون تهمة، ويُعزل دون مرافعة، وتُمنع عنه حتى نظرة أمّه.
الكلمات المفتاحية: غزة, الأسرى, عدالة, المحاكم العسكرية.