تحقيق إسرائيلي يكشف..
كشف تحقيق إسرائيلي نشرته وسائل إعلام إسرائيلية مساء أمس الاثنين، تفاصيل جديدة حول سقوط قاعدة “ناحل عوز” التابعة لجيش الاحتلال بغلاف غزة، في قبضة كتائب القسام الذراع العسكري لحركة حماس” صبيحة يوم السابع من أكتوبر/ تشرين أول 2023.
وخَلص التحقيق إلى أنّ الجيش الإسرائيلي فشل في تأمين الموقع وحماية حياة 162 جنديًا وجندية كانوا داخله وقت تنفيذ عملية طوفان الأقصى، مؤكدًا أنّ سقوط الموقع كان نتيجة الإهمال وتجاهل التعليمات العسكرية من قبل سلسلة القيادة في القيادة الجنوبية، فرقة غزة، واللواء الشمالي.
إذ تبيّن أن المعسكر لم يكن محصنًا بشكل كافٍ لصد عملية بهذا الحجم، ما جعل القادة يتحملون المسؤولية المباشرة عن الخسائر الفادحة، حيث قُتل 53 جنديًا وجندية، من بينهم نوعا مارسيانو التي قُتلت أثناء أسرها في غزة، كما تم أسر سبع مجندات استطلاع وثلاث مقاتلات مدرعات.
تفاصيل التحقيق تشير إلى أنّه عند الساعة 6:29 صباحًا يوم عملية طوفان الأقصى، كان الموقع يضم 162 جنديًا، من بينهم 90 مقاتلًا مسلحًا.
ورغم ورود تحذيرات مسبقة عن احتمال وقوع تسلل خلال عطلة نهاية الأسبوع، لم تُتخذ تدابير كافية لتعزيز الأمن، على الرغم من أن الموقع يبعد 850 مترًا فقط عن جباليا في قطاع غزة.
وذكر التحقيق أنّه لم يتم نشر حراس في الجهة الغربية المواجهة للقطاع، واقتصرت الحراسة عند بوابة الدخول على جندي واحد فقط، بينما كان جندي آخر في المقر بالقرب من مستودع الأسلحة، لكنه لم يكن مسلحًا.
إضافة إلى ذلك، لم تُنفَّذ إجراءات “الاستنفار عند الفجر” التي تُفرض على كل موقع عسكري عند شروق الشمس، ما ترك القوات في حالة استعداد منخفض بسبب العطلة، إذ كان العديد منهم في إجازة.
وخلال الحرب على قطاع غزة التي استمرت أكثر من 15 شهرًا، عثر جيش الاحتلال على ما وصفها بـ “كميات كبيرة من المواد الاستخباراتية “التي توضح كيف خططت حركة “حماس” بدقة للهجوم على موقع ناحال عوز.
ووفقًا للخطة التي أطلقت عليها حماس اسم “جدار أريحا”، كان الموقع يُعدّ هدفًا استراتيجيًا رئيسيًا لضمان نجاح العملية.
وأظهرت التحقيقات أن مقاتلي حماس تدربوا بانتظام على نموذج مماثل للموقع العسكري، كما جمعوا معلومات دقيقة عن المجندات والقادة داخل المعسكر، باستخدام الطائرات المسيرة والمراقبة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ما مكّنهم من معرفة أماكن سكن الجنود والمخابئ التي قد يلجأون إليها خلال الهجوم.
وكان المقاومون على دراية تامة بمواقع القوات داخل المعسكر وزمن استجابة الجيش لأي تسلل، كما كانت لديهم معلومات دقيقة عن سماكة جدران الموقع والكمية المطلوبة من المتفجرات لاختراقه، وفق التحقيق.
وخلصت التحقيقات إلى أن “حماس” كانت تدرك أن السيطرة على الموقع، خلال 15 دقيقة فقط، ستمنع جيش الاحتلال من صد الهجوم أو فهم طبيعة التهديد بشكل كامل.
وبالفعل، تمكنت وحدات من كتائب القسام من اقتحام الموقع وفقًا لما كان متوقعًا في سيناريو تدريب سابق للواء الشمالي في يوليو/ تموز 2023، إلا أن الجيش الإسرائيلي لم يقم بتدريب قواته فعليًا على التصدي لهجوم بهذا السيناريو.
وفي الساعة 6:30 صباحًا، ومع بدء العملية تحت غطاء كثيف من الصواريخ، تسللت أول مجموعة من مقاتلي حماس، والبالغ عددهم 65 مقاومًا، إلى الموقع العسكري.
ولم يكن هناك أي بروتوكول واضح للتعامل مع الهجمات الصاروخية، مما جعل الجنود يفرون نحو الملاجئ دون معدات قتالية كافية.
ورغم أن مجندات الاستطلاع تمكنّ في البداية من رصد المقاومين ونقل صورة دقيقة عن التطورات، إلا أنهن اضطررن لاحقًا إلى مغادرة مواقعهن، مما أدى إلى فقدان الاتصال بالقوات الميدانية.
وفي الساعة 8:45 صباحًا، وصلت دفعة ثانية من المقاومين عبر الحقول، ليبلغ عددهم الإجمالي نحو 215.
ورغم استدعاء مروحية قتالية إلى الموقع، إلا أن تدخلها لم يكن حاسمًا. وبعد ساعة أخرى، وصلت مجموعة ثالثة قوامها 100 مقاوم، وقد ساهمت في عمليات القتل والخطف وإضرام النيران في الموقع، بحسب التحقيق.
وبحلول الساعة 11:58، كانت النيران تشتعل في مركز العمليات، بينما ركّزت القيادة العسكرية العليا اهتمامها على ما يحدث في المستوطنات والطرق المحيطة، متجاهلة تمامًا الوضع داخل ناحال عوز.
وذكر التحقيق الإسرائيلي، أن القوات داخل الموقع لم تكن تمتلك سوى أسلحة فردية، إضافة إلى رشاش واحد من طراز “نيغب”، وكانت مخازن الأسلحة مغلقة.، كما أن تصميم جدران الموقع منع الجنود من رؤية ما يحدث حولهم.
وخلال العملية، قرر عدد من الجنود مغادرة مواقعهم دون إبلاغ أحد، بينما بقي آخرون، مثل الجندي إبراهيم حربة، للدفاع عن المجندات.
وبحلول الساعة 8:20 صباحًا، تمكن المقاومون من السيطرة على الموقع، بما في ذلك الملجأ الذي كان بداخله 31 جندية، من بينهم ستة فقط مسلحات.
وأضاف التحقيق، أن النقيب عدن نمري، قادت مجموعة من المجندات في مواجهة المقاومين، وتمكنت من الاشتباك معهم حتى نفدت ذخيرتها، لكنها سقطت قتيلة أثناء محاولتها مواجهة أحد المقاومين.
وبعد السيطرة على الملجأ، استمرت عملية البحث عن المجندات الهاربات، حيث تمكن المقاومون من اقتحام إحدى الغرف وقتل ثلاث مجندات إضافيات.
وخلص التحقيق أن الافتقار إلى الاستعدادات الأمنية، وسوء إدارة الأزمة، وتجاهل القيادة العليا للموقف أدى إلى سقوط الموقع بهذه الطريقة الكارثية.
وبحسب نتائج التحقيق، فإن محاولات التصدي لعملية الطوفان، جاءت بشكل فردي من بعض القادة والجنود، بينما لم يكن هناك توجيه واضح من القيادة العليا.
كما يؤكد التحقيق أنّ القوات الجوية الإسرائيلية لم تتمكن من التعامل مع الوضع بشكل فعال، وأن الإجراءات الدفاعية في الموقع كانت غير كافية لصد هجوم بهذا الحجم وبمثل هذا التخطيط المحكم.
وبسبب التحقيقات الإسرائيلية بشأن طوفان الأقصى، قدّم مسؤولون إسرائيليون استقالاتهم، إذ يُعتبر رئيس أركان جيش الاحتلال الإسرائيلي هيرتسي هاليفي أعلى مسؤول يستقيل عقب أسوأ فشل أمني في تاريخ “إسرائيل” في توقّع العملية التي نفذتها كتائب القسام.
ومثل الكثير من كبار القادة العسكريين في “إسرائيل”، بقي هاليفي في منصبه خلال الحرب التي استمرت 15 شهرًا على قطاع غزة. لكنّه بعد أيام من وقف إطلاق النار في غزة، استقال كل من هاليفي ويارون فينكلمان قائد المنطقة الجنوبية في جيش الاحتلال التي تشرف على العمليات في غزة.