• الرئيسية
  • keyboard_arrow_right أخبار
  • keyboard_arrow_right كيف منعت إسرائيل الصحافيين الدوليين من تغطية الإبادة في غزة؟

أخبار

كيف منعت إسرائيل الصحافيين الدوليين من تغطية الإبادة في غزة؟

wesam 8 يناير، 2025


Background
share close

«أدخلونا إلى غزة حتى نقوم بعملنا. من حقنا أن نقوم بتغطية ما يحدث في قطاع غزة، ولا نريد من الجيش الإسرائيلي أن يحمينا، فنحن نستطيع أن نحمي أنفسنا»؛ هكذا عبّرت الصحافية الفرنسية أليس فروسارد، التي تعمل لصالح جهات صحافية فرنسية وسويسرية من القدس ورام الله، عن استيائها من منع دخولها إلى قطاع غزة.

وخلال ندوة عقدتها نقابة الصحافيين الفلسطينيين الشهر الفائت تحت عنوان «منع الاحتلال الإسرائيلي الصحفيين الأجانب من تغطية حرب الابادة على غزة وأثرها على التغطية الإعلامية»، أكدت فروسارد أنها توجهت مرات كثيرة للمكتب الإعلامي الحكومي في إسرائيل في طلب لإصدار تصريح بالدخول، غير أن الرد كان يُكرر الكلمات نفسها: «لا نستطيع أن نحميكم في قطاع غزة».

في المقابل، استقبلت إسرائيل منذ بدء حرب الإبادة على القطاع، وخلال نصف السنة الأولى فقط، أكثر من 4 آلاف صحافي أجنبي لتغطية الجانب الإسرائيلي، بحسب ما أورده مكتب الإعلام الحكومي الاسرائيلي، وهو أكثر من عدد الصحافيين الذين غطوا الحرب الروسية الأوكرانية، والذين لم يزد عددهم عن 1500 صحافي أجنبي، يقول الصحافي الغزي أحمد فياض، إثر إعداده لدراسة بعنوان «أكثر من عام على الحرب وعين الإعلام الدولي لم تر غزة».

ولا شكّ بأن هذا الاستقبال لم يكن خالياً من الرقابة الإسرائيلية ومن تغذية الصحافيين بالمصادر والقصص التي تريد لها إسرائيل أن تظهر للعالم، مقابل طمس ومحو ممنهجَين للسردية الفلسطينية والأصوات التي تنقلها.

وهكذا، مارست إسرائيل احتكار سرديتها، ليس على جمهورها المحلي فحسب، والذي لا يرى عبر شاشاته مشهداً واحداً من غزة، بل على المُشاهد العالمي أيضاً، المتابع للقنوات الرسمية والصحافة التقليدية.

لم يشاهد العالم تكلفة الحرب الحقيقية

ميكيلي جيورجو، صحافي إيطالي ومراسل صحيفة المانيفستو الإيطالية من القدس، اعتبر بأن عمل الصحافيين الأجانب لنقل الصورة من غزة يحدث بفضل الصحافيين الغزيين الذين يعملون في الميدان.

وأكد، خلال الندوة التي عقدتها نقابة الصحافيين، أن مسألة منع إسرائيل الصحافيين من دخول القطاع، أمر محبط وغير قانوني، مطالباً كل الدول والجهات والمنظمات المعنية بالضغط على إسرائيل للسماح للصحافة الأجنبية بالتغطية.

ولا شكّ بأن هذا الاستقبال لم يكن خالياً من الرقابة الإسرائيلية ومن تغذية الصحافيين بالمصادر والقصص التي تريد لها إسرائيل أن تظهر للعالم، مقابل طمس ومحو ممنهجَين للسردية الفلسطينية والأصوات التي تنقلها. وهكذا، مارست إسرائيل احتكار سرديتها، ليس على جمهورها المحلي فحسب، والذي لا يرى عبر شاشاته مشهداً واحداً من غزة، بل على المُشاهد العالمي أيضاً، المتابع للقنوات الرسمية والصحافة التقليدية.

لا مكان للكلل أو الملل، إذ لا نتوانى البتّة في إسقاط القناع عن الأقاويل التّي يروّج لها أهل السّلطة وأنصارهم. معاً، يمكننا دحض الأكاذيب من دون خشية وخلق مجتمعٍ يتطلّع إلى الشفافيّة والوضوح كركيزةٍ لمبادئه وأفكاره.

من جانبه، يشير الصحافي أحمد فياض، في دراسته، إلى أن إسرائيل سمحت لعدد قليل جداً من الزيارات لبعض الصحافيين الأجانب، بمرافقة الجيش الإسرائيلي. وأن ما نُقل كان خاضعاً للرقابة العسكرية ومتماهٍ مع كلام المتحدث باسم القوات الإسرائيلية. في حين سُمح لصحافيين إسرائيليين كثيرين بدخول القطاع، الأمر الذي يشير إلى تمييز واضح لا يعتمد على أساس موضوعي.

ومن الجدير ذكره أن الجيش الإسرائيلي، نفسه، وثق لحظات شارك فيها صحافيون إسرائيليون في قصف مدفعي أو ضغطوا على زناد الأسلحة برفقة الجنود.

ويلفت فياض النظر إلى أن السلطات الإسرائيلية نظمت نحو 60 جولة للصحافيين الأجانب في غلاف غزة، ونقلت أكثر من 500 ساعة بث من الميدان، إضافة إلى تنظيم العديد من التوجيهات والمؤتمرات الصحفية. وعليه، تبين الدراسة أن الحرب على غزة حظيت، ولا تزال تحظى، بتغطية عالمية من عين واحدة.

إسرائيل سمحت لعدد قليل جداً من الزيارات لبعض الصحافيين الأجانب، بمرافقة الجيش الإسرائيلي. وأن ما نُقل كان خاضعاً للرقابة العسكرية ومتماهٍ مع كلام المتحدث باسم القوات الإسرائيلية.

وكانت منظمة المادة 19، أكدت في بيان لها أن «من سُمح له بالدخول من الصحافيين الأجانب، اشترط الجيش حظر تعامله التعامل مع الفلسطينيين ومراجعة التقارير قبل النشر، وأن حظر الدخول والتغطية يتجاوز القيود المسموح بها بموجب المعايير الدولية».

هذا أيضاً ما أكدته رابطة الصحافة الأجنبية في القدس في أحد بياناتها، التي قالت فيها إن «الجيش رافق الصحافيين واختار من أراد من وسائل الإعلام الأجنبية. ذلك على الرغم من أن الرابطة قدمت عدة طلبات رسمية للمكتب الإعلامي الحكومي الإسرائيلي، والجيش الإسرائيلي، ووزارة الخرب، في الشأن، غير أن طلباتها المتكررة رُفضت مراراً».

ووصف البيان السياسة الإسرائيلية بأنها «تنتهج التعتيم الإعلامي صارم، الأمر الذي يثير التساؤلات حول ما لا تريد إسرائيل أن يراه الصحافيون الدوليون؟» مبينةً أن الحظر الشامل أدى الى الحد من قدرة العالم على مشاهدة التكلفة الحقيقية للحرب.

وكانت الرابطة، التي تضم صحافيين من 130 وسيلة إعلامية من 30 دولة، قد تقدمت في شهر كانون الأول/ديسمبر 2023، بالتماس إلى المحكمة العليا الإسرائيلية، تطلب فيه السماح لوسائل الإعلام الدولية بالدخول إلى قطاع غزة، إلا أن المحكمة رفضت الالتماس، مبررة ذلك بأسباب أمنية.

رحلات الصحافيين الأجانب على حساب الدولة

فور السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، بدأت إسرائيل باستقطاب صحافيين أجانب، فغطت رحلاتهم بشكل كامل إلى إسرائيل، تقول الصحافية والناشطة الغزية إسراء المدلل.

وتردف: «لقد خصصت السلطات الإسرائيلية لهؤلاء مكان إقامة ومواصلات على حساب الحكومة، وأجرت معهم جولات مخططة في غلاف غزة وفق جداول عمل دقيقة. هؤلاء الصحافيون دخلوا المنازل ونقلوا قصص العائلات في تلك المناطق».

توافد صحافيوها وصحافيون مستقلون إلى القدس. لكنهم لم يجدوا أي مصدر للمعلومة حول ما يجري في القطاع، سوى المسؤولين الإسرائيليين، بعد أن رُفضت طلباتهم المتكررة للدخول إلى منطقة الإبادة.

ويشير عز الدين إلى أن الأمر لا يقتصر على منعهم من الدخول، بل إلى توجيههم من قبل الماكنة الإعلامية الإسرائيلية، وتزويدهم بالصور والقصص الخارجة من غلاف غزة، حتى يروجوا للرواية الإسرائيلية، دون مكان يُذكر للوجه الآخر للقصة.

أما الصحافيين الأجانب القلائل الذين دخلوا القطاع، عرفنا منهم كلاريسا وورد، مراسلة «سي إن إن»، التي قالت إنها تمكنت من الدخول بعد محاولات عديدة، برفقة طاقم طبي. فنقلت فيه مشاهد للجرحى وللدمار الحاصل. وكانت كلاريس ظهرت في بداية الحرب في بث حي، قبل هذه زيارة غزة، وهي منبطحة على الأرض لتختبئ من صواريخ حماس. فيما تداول نشطاء ومتضامنون المقطع وقالوا إنها تعمّدت تضخيم اللحظة تحت أصوات اعتراضات القبة الحديدية.

احتكار الصورة والسردية

يعتبر الباحث والخبير بالشأن الاسرائيلي، إسماعيل مسلماني، أن منع دخول الصحافيين الأجانب لقطاع غزة، يعزى لخشية إسرائيل من أن يكونوا شاهدين على الحقيقة المفجعة لما يجري على أرض الواقع.

ويضيف شارحاً،  «وجود الصحافيين في غزة، ونقلهم للفظائع المرتكبة بحق المدنيين، ستزيد من الملاحقات الدولية بحق المسؤولين الإسرائيليين. وحتى داخل إسرائيل، تُفرض الرقابة على التغطية استناداً لقانون الطوارئ».

من جهته، يوضح فياض بأن القصص الإنسانية التي رآها العالم من بلدات غلاف غزة، تُظهر أن ما اقتُرف في المنطقة من جرائم حرب هو التهم التي وجهت لحماس كالاغتصاب والسرقة والخطف. وقد تبين أن من وراء كثير من القصص اعتبارات سياسية، بينما لا تُظهر أي ارتكاب لجرائم الإنسانية في قطاع غزة التي قتل فيها ما يزيد عن 45 ألف فلسطيني ونُسف المكان وخُطف وجه الحياة فيه.

في السياق، تؤكد المدلل على أن الذريعة الإسرائيلية الأبرز لاستهداف المدنيين، والقائلة باستخدام حماس للمدنيين دروعاً بشرية، قد تنفضح بشكل حتمي، إذا ما دخل الصحافيون وتأكدوا كيف أن إسرائيل تزيف الحقائق لتبرير القتل والإبادة الجماعية.

هذا ما أشار إليه الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيرش، حين قال إن «منع الصحافيين الدوليين من دخول غزة يسمح بازدهار المعلومات المضللة والروايات الكاذبة».

وتجدر الإشارة إلى أن الرقابة التي تُمارس على الخبر والقصة الخارجة من غزة، لا تُمارسها إسرائيل في أراضيها فحسب، بل تُمارسها وسائل إعلام غربية على قاموس مصطلحاتها وعلى خطاب مذيعيها.

فقد رأينا في بداية الحرب كيف توالت استقالات صحافيين كُثر من مناصبهم، وكيف اتهم، على سبيل المثال، موظفون في «بي بي سي» قناتهم بالانحياز لإسرائيل، وكيف بكى موظفون فيها على مشاهد غزة في المراحيض بسبب قمعهم.

الصورة الخارجة من غزة

لكن يبدو، أنه على الرغم من هذه الرقابة، إلا أن الصورة من غزة، ومع انتشار استخدام وسائل التواصل الاجتماعي كمصدر أساس للخبر، اخترقت الجغرافيا. «لا يمكن تجاهل ما فعله الصحافيون والشبّان الصغار في غزة. فهم يجيدون التغطية الميدانية ويحترفونها. ونظراً لأن المعلومة الوحيدة التي تخرج من قطاع غزة تمر من خلال هؤلاء، فقد دفع ذلك بعض الصحافيين والوكالات الأجنبية للاعتماد على قنواتهم على وسائل التواصل الاجتماعي، واستخدام الأخبار والصور والفيديوهات التي ينشرونها»، يقول عز الدين.

إن وجود الصحافيين في غزة، ونقلهم للفظائع المرتكبة بحق المدنيين، ستزيد من الملاحقات الدولية بحق المسؤولين الإسرائيليين، وحتى داخل إسرائيل، تُفرض الرقابة على التغطية استناداً لقانون الطوارئ.

«وماذا فعلت إسرائيل مع هذ الصوت الفلسطيني؟ لقد اغتالت أكثر من مئتي صحافي. فيما أضطر ما يقارب هذا العدد إلى مغادرة القطاع إلى مصر ودول أخرى قبل إغلاق معبر رفح»، يقول فياض.

ويردف: «وبحكم أن الصحافيين في القطاع هم جزء عضوي من نسيج المجتمع، فهم يعيشون النزوح وحياة الخيام ويعانون من نقص المعدات والإمكانات، ومن المخاطرة في حياتهم جراء تنقلهم من مكان إلى آخر، في ظل تقسيم الفصل المناطقي الذي فرضته إسرائيل».

«فهم يرتحلون وينزحون مع النازحين والراحلين، ويعيشون حياة النزوح وفي الخيام، ويعانون ويكابدون من نقص المعدات والإمكانيات، وبالتالي هم جزء من هذه المعاناة، إلى جانب فصل المناطق عن بعضها بعضاً. وبالتالي، فإن الرواية الفلسطينية بالكاد تصل إلى العالم»، يضيف.

فثمة فئات كبيرة من المجتمعات العالمية لا تنكشف عبر وسائل التواصل الاجتماعي على القنوات وصفحات الصحافيين الفلسطينيين والغزيين. وما تنقله وسائل الإعلام التقليدية، كمحطات التلفزة والصُحف الورقية أو الإلكترونية، يعتبر ما يُنقل من غزة مثارَ شك. فحتى عدد القتلى الفلسطينيين، الذي شكك فيه بايدن خلال الحرب، يُذكر، في العناوين الرئيسية، على أنه «رواية وزارة الصحة الفلسطينية» وليس رواية الضحايا الحقيقية.

 

المصدر: رصيف 22

الكلمات المفتاحية: .

الخبر السابق