في اطار تواصلها مع الاحزاب وصنّاع الراي في الدول الغربية، بعثت “دائرة العلاقات الخارجية في الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين” برسالة الى مئات الأحزاب السياسية والمؤسسات الشعبية العالمية والى الاطر المجتمعية، الاعلامية والحقوقية والنقابية الدولية حول مخطط “الضم” في الضفة الغربية في فلسطين، الذي بات استراتيجية رسمية لكيان العدو، يجري العمل على تطبيقه امام دول العالم بشكل يومي، دون ان يواجه بما يستحق من مواقف وادوات دولية ضاغطة.
وقالت الرسالة: نحييكم بتحية فلسطين المقاومة والصامدة فوق ارضها في مواجهتها لحرب الابادة التي يتعرض لها شعبها على مساحة كل ارض فلسطين تاريخية. ونضعكم في صورة ما تتعرض له فلسطين من حرب ابادة في قطاع غزه، ومن حرب ابادة سياسية بدأ الاحتلال الاسرائيلي في ارتكابها منذ فترة في الاراضي الفلسطينية المحتلة (الضفة الغربية والقدس الشرقية)، في ظل عجز وصمت دولي من شأن استمراره ان يشجع اسرائيل على المضي في هذه الجريمة المعروفة بمخطط الضم، الذي يترافق مع مساع امريكية لاقرار قانون يقضي باستخدام مصطلح “يهودا والسامرة” وهو المصطلح المتعارف عليه اسرائيليا، في اطار رواية الاساطير الصهيونية، بدلا من مصطلح الضفة الغربية المحتلة، بما فيها القدس، التي تعتبر اراض فلسطينية محتلة وفقا للقرارات الدولية، وآخرها قرار الجمعية العامة للامم المتحدة في شهر ايلول الماضي، الذي اعتبر “جود إسرائيل في الأرض الفلسطينية المحتلة غير قانوني” ويجب ان ينتهي.
خطورة الضم
خطورة الضم في المرحلة الراهنة تكمن في انه اصبح ومنذ الآن الاستراتيجية الرسمية التي تتحرك اسرائيل في اطارها، وان كل ما ستقوم به في الضفة الغربية من اجراءات وقرارات عسكرية و”مدنية” سوف يكون منسجما مع هذا المخطط، وبعبارة ادق: ان تعاطي اسرائيل في المرحلة القادمة مع الضفة الغربية والقدس سيكون بتهيئة البنى التحتية لاستقبال استحقاق الضم، في وقت ما زالت بعض الاطراف الدولية تتحدث عن ما يسمى “حل الدولتين”، وتقارب هذا المخطط من زاوية كونه امتداد لسياسات وممارسات الاحتلال التقليدية، او انه لا يغير شيئا في جوهر الصراع، لذلك يكتفون بمواقف رافضة وادانات شكلية لا تصل الى مسامع قادة اسرائيل..
مثل هذه المواقف تغذيها تحليلات خاطئة بأن الضم سيتحرك في مناطق صغيرة، في محاولة للتخفيف من خطره، لكن وقائع الميدان تؤكد ان هذا المخطط سيطال الضفة الغربية من جهاتها الست. فحين تقوم اسرائيل بضم المستوطنات مثلا فهي من الناحية العملية تكون قد فرضت سيطرتها على كافة المدن المحيطة بها والمتداخلة معها، خاصة ان المعابر والطرق الالتفافية المحيطة بالمستوطنات او ما يسمى المناطق العسكرية ستبقى كلها تحت السيطرة الاسرائيلية، ما يعني في الواقع العملي أن اسرائيل قادمة على ضم كافة اراضي الضفة الغربية، مع مراعاة وجود ثقل سكاني فلسطيني في الوقت الحالي يتجاوز عدد سكان المستوطنين (نحو 145 مستوطنه يسكنها حوالي 800 الف مستوطنين مقابل نحو 3.5 ملايين فلسطين).
تعدد السيناريوهات
كثيرة هي المعطيات التي تشير الى ان اعلان مخطط الضم قد اقترب، وتتعدد السيناريوهات حول طريقة وتوقيت الاعلان الرسمي عنه، لكن ومن خلال مراجعة ما ينشره الاعلام الاسرائيلي، يتبين انه سيتضمن مجموعة من العناوين والمراحل:
اولا) نقل صلاحيات من الجيش الاسرائيلي الى سلطات مدنية مسيطر عليها من قادة المستوطنين وبدعم مباشر من وزراء ومسؤولين كبار في الجيش والحكومة، ما سيقود الى نقل المسؤوليات من سلطة احتلال الى سلطة مدنية تطبق القانون الاسرائيلي، وهذا ما حصل خلال الاشهر الماضية.
ثانيا) تحويل بعض المساحات في الضفة من منطقة (ب) الى منطقة (ج)، وفرض السيطرة الاسرائيلية الكاملة عليها، بما يتعاكس حتى مع اتفاقية اوسلو، مع امكانية ابقاء سلطة وظيفية لاطر فلسطينية لا صلاحيات امنية او عسكرية او سيادية لها على تلك الاراضي، وتتضمن تلك المناطق: الاغوار، المستوطنات وما حولها والمناطق المحاذية لجدار الفصل.. وبشكل تدريجي يعمل على تهجير الفلسطينيين المقيمين في المناطق ج، سواء عبر محفزات مالية او من خلال ضغوط امنية وعسكرية وادارية..
ثالثا) افراد ميزانيات ضخمة للبناء الاستيطاني في الضفة الغربية. وينقل الاعلام الاسرائيلي ان الحكومة الفاشية في اسرائيل تتواصل مع متمولين يهود في امريكا واوروبا لتمويل مشاريع استيطانية ضخمة سيعلن عنها لاحقا..
رابعا) دعم مجموعات المستوطنين عسكريا بحجة توفير الحماية لهم، بعد ان باتت الوظيفية الاساسية لبعض الوزراء في الحكومة الاسرائيلية هي كيفية توزيع السلاح على المستوطنين في الضفة الغربية، الذين اصبح بيدهم، حسب المعطيات المتوافرة، نحو مليون قطعة سلاح، وهي نسبة تعتبر كبيرة جدا مقارنة بعدد المستوطنين.
خامسا) سن قوانين وقرارات عسكرية ومن وزارات مختلفة تقوم بالتضييق على الفلسطينيين في المستويات الامنية والعسكرية وعلى مستوى هدم المنازل ومنع البناء، وبالمقابل السماح للمستوطين اليهود بالبناء وتقديم محفزات من اجل انتقال بعضهم للاقامة في الضفة الغربية.
سادسا: كي يصبح من الاستحالة قيام دولة فلسطينية سيدة على ارضها واقليمها، فان اسرائيل لن تكتفي بضم ما تريده من اراض فلسطينية، بل وفي اطار تطبيقات مخطط الضم، ستعمل اسرائيل على تقسيم الضفة الغربية الى اكثر من 170 منطقة متباعدة عن بعضها البعض. ومثل هذا التقسيم جرى الحديث عنه عشية التوقيع على اتفاق اوسلو حين اقترح احدهم بتحويل الضفة الغربية الى معازل اشبه ببنتوستانات..
بغض النظر عن المواقف الدولية، الغربية تحديدا والمتواطئة مع المخططات الاسرائيلية، عبر صمتها وشراكتها، فان مخطط الضم يجري كما هو مخطط له، حتى وان تأخر احيانا او تباطأ تنفيذه لاسباب تكتيكية، الا ان مسار التطبيق يجري بالخلفية الاستراتيجية التي اعتمدتها اسرائيل منذ النكبة عبر فرض الامر الواقع على الشعب الفلسطيني والعالم، ليس بمرحلة واحدة بل بخطوات متدرجة ومرحلية تشكل مجتمعة البناء الاستراتيجي الكامل لمخطط الضم.
نفاق سياسي
لكل هذه الاسباب نكرر القول ان الدول الغربية تنافق سياسيا حين تزعم دعمها لما يسمى “حل الدولتين” وتنتقد المخططات الاسرائيلية في الضفة الغربية كونها تتناقض مع الشرعية والقانون الدولي، لكن في الواقع الفعلي تمد اسرائيل بكل مقومات القتل والعدوان، ولا تملك من اسلحة العقاب الا بادعاء فرض عقوبات بسيطة على نفر قليل من الافراد، فيما قادة التطرف والفاشية يواصلون مخططهم غير آبهين لا بمواقف دول غربية ولا بانتقادات لمؤسسات دولية.
إن الحركة الوطنية الفلسطينية ما زالت في مرحلة التحرر الوطني، ما يعني ان المهمة الراهنة للشعب الفلسطيني وقواه السياسية والشعبية هي مقاومة المحتل وبناه التحتية بمختلف الاشكال النضالية المتاحة. وهذا ما يتطلب دعم جميع الاحرار على امتداد دول العالم.. لذلك نخاطبكم باسم “دائرة العلاقات الخارجية في الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين” كأحزاب سياسية واطر مجتمعية ومؤسسات ونقابات وصنّاع رأي عام الى دعم شعبنا في مقاومته من اجل افشال مخطط الضم، وكما افشلنا معا المشاريع والمخططات الصهيونية الهادفة الى تصفية القضية الفلسطينية، فإننا على ثقة بدعمكم لشعبنا ونضاله الوطني من أجل أن يحيا حرا فوق ارضه خالية من الاحتلال، الذي سيبقى وجوده في ارضنا مرفوضا بشكل كامل ويتسوجب المقاومة بمختلف اشكالها..
الكلمات المفتاحية: الجبهة الديمقراطية, الاحتلال, الضفة الغربية, دائرة العلاقات الخارجية, غزة, الضم.