أكد المكتب الوطني للدفاع عن الأرض ومقاومة الاستيطان، أن الاستيطان في الضفة الغربية، هو “مشروع استثماري” ترعاه دولة الاحتلال، وتوفر له كل مقومات النجاح لجذب أكبر عدد من المستوطنين.
وأوضح المكتب في تقرير له أعدته الإعلامية مديحة الأعرج أن دولة الاحتلال لا تكتفي بالسطو على أراضي الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة، بما فيها القدس، بأدوات وحشية وتحويلها إلى مجال حيوي لنشاطاتها الاستيطانية الهدامة، بل تعمل أيضاً على توفير الدعم لجمعيات وشركات إسرائيلية تتولى عمليات البناء في المستوطنات وتسويقها كمشاريع استثمارية لجذب أكبر عدد من المستوطنين للسكن في هذه المستوطنات.
وأشار إلى أن هذه مسألة قديمة معروفة، ولكنها بدأت تأخذ أبعاداً جديدة وخطيرة مع تشكيل نتنياهو لحكومته اليمينية المتطرفة بالشراكة مع احزاب الصهيونية الدينة.
ومن أجل الوصول إلى الهدف المعلن بزيادة أعداد المستوطنين فإن حكومة (نتنياهو– سموتريتش– بن غفير)، لا ترعى الاستيطان باعتباره حجر الأساس في سياسة وممارسات الحركة الصهيونية وحسب، بل هي ترعاه باعتباره أيضاً مشروعاً استثماريا يجذب مشاركة القطاع الخاص في أكثر من مجال وميدان.
مجالان مهمان
واستعرض المكتب الوطني في تقريره ميدانين على صلة مباشرة بالسطو على أراضي الفلسطينيين، الأول يتمثل بالاستثمار في السكن، فيما يكمن الثاني بالاستثمار في السطو على الأراضي الفلسطينية الخصبة، وخاصة في الأغوار الفلسطينية. فمع تشكيل الحكومة الإسرائيلية، التي يتولى فيها “بتسلئيل سموتريتش” إلى جانب وزارة المالية، مسؤولية شؤون الادارة المدنية والاستيطان في وزارة الجيش، أصبحت الظروف مهيأة أكثر من أي وقت مضى لتكثيف وتعميق الاستيطان في الضفة الغربية، بما فيها القدس وترويجه كمشروع استثماري كذلك بهدف رفع عدد المستوطنين إلى مليون مستوطن مع نهاية العام 2024.
الاستثمار في السكن
وفي هذا الإطار، فإن جريدة “إسرائيل هيوم” نشرت مؤخراً تقارير حول الموضوع، وادعت أن المستثمرين اليهود الذين يسعون للاستثمار بمبالغ قليلة نسبيًا ينشطون خلف الخط الأخضر في المناطق المعدة للبناء الاستيطاني في الضفة الغربية، حيث يتم تسويق الشقة السكنية في البداية بنحو 170 ألف شيكل فقط، فيسارع المستثمرون إلى الشراء، وهو سعر منخفض إذا ما قورن بسعر الشقة في حدود العام 1948، والذي يبلغ اليوم في المعدل العام نحو 1.6 مليون شيكل، حسب الصحيفة، خاصة وأن إجراءات البناء في الضفة الغربية أسرع بكثير منها داخل إسرائيل، والأهم من ذلك أن الربح الناجم عن ذلك كبير جداً، ووفقاً لتوقعات الصحيفة فمنذ لحظة تخصيص الأرض للبناء والتقدم في عملية البناء يقفز سعر الشقة إلى 600 ألف شيكل، أي يحصل المستثمرون المعنيون على أربعة أضعاف قيمة الاستثمار، وإذا كان المستثمرون يتخوفون من احتمالات تجميد البناء الاستيطاني فإن الحكومة الحالية الجديدة تتكفل بتبديد جميع هذه المخاوف.
ووفقاً للمعطيات المتداولة في الأوساط الإسرائيلية، وخاصة وسائل إعلام اليمين المتطرف والمستوطنين، فإن شركات مثل “ديسي للبناء والاستثمار”، و”تسرفاتي شمعون”، و”تمار وياعيل” و”أفني ديريش” و “زد . إف” وغيرها تقوم منذ سنوات بعمليات البناء في المستوطنات وتجني من وراء ذلك أرباحاً طائلة، وتؤكد أن عملها بعد صعود اليمين الفاشي إلى السلطة في إسرائيل أفضل من أي فترة سابقة، وأن من لا يستثمر في هذه المناطق لا يفهم ما هو الواقع الاستثماري الإسرائيلي الحالي.
وتوضح “إسرائيل هيوم” أن المسار البيروقراطي للمصادقة على مخططات البناء في الضفة الغربية أبسط بكثير مما هو عليه داخل حدود عام 1948، إذ أن المعدل الزمني للمصادقة على المخططات قصير جداً، فضلاً عن ذلك لا توجد رسوم تحسين في صفقات الأراضي، أي في حال استصلاحها وتطويرها، الأمر الذي يؤدي إلى توفير 35% – 50% بالمقارنة مع صفقات مماثلة في إسرائيل، وتضيف بأن البناء في الضفة حصل في السنوات الأخيرة على شرعية واسعة النطاق، إذ يقوم وزراء وأعضاء كنيست ورؤساء بلديات بجولات في المنطقة ويغدقون الوعود بإقامة مستوطنات ومدن استيطانية جديدة على هذه الأراضي، ويتوقعون الحصول على دعم كبير من الحكومة الإسرائيلية الحالية.
وبشكل عام ومن أجل تشجيع انتقال المستوطنين للسكن في المستوطنات، تظهر البيانات الحكومية الرسمية أن كل إسرائيلي ينتقل للعيش في المستوطنات يحصل على دعم بأكثر من 50 ألف دولار سنوياً، فضلاً عن امتيازات وإعفاءات ضريبية، ومزايا وحوافز وتسهيلات كثيرة وتطوير مشاريع مالية داخلها وفي محيطها.
السطو على الأراضي الخصبة
ولا يقتصر الاستثمار في الاستيطان على الشقق السكنية في المستوطنات القائمة، أو تلك التي يجري الإعداد لبنائها من خلال شرعنة عشرات البؤر الاستيطانية وتحويلها إلى مستوطنات جديدة أو أحياء لمستوطنات قائمة وما يسمى كذلك بالمزارع الرعوية، وفق مخططات الحكومة الإسرائيلية الحالية، بل هو يمتد على مساحة أوسع ليغطي قطاعات اقتصادية مختلفة توفر لها دولة الاحتلال الكثير من التسهيلات والحوافز، ليحقق المستثمرون في هذه القطاعات أرباحا مجزية. الأغوار الفلسطينية هنا، بدءاً من أريحا وشمال البحر الميت وصولا إلى حدود طوباس، أي الأغوار الجنوبية والوسطى والشمالية، هي ميدان واسع لعمل المستثمرين الاستعماريين وشركات الاستثمار الإسرائيلية. في هذه المنطقة يعيش 65 ألف فلسطيني في 29 بلدة وتجمع سكاني بما في ذلك حوالي 15 ألف فلسطيني يعيشون في عدد من التجمعات البدوية الصغيرة، فيما تخطط الحكومة الإسرائيلية الحالية لرفع عدد المستوطنين في المنطقة خلال العامين القادمين من 12 الف إلى 30 الف مستوطن من خلال تسهيلات واسعة للاستثمار والسكن في المنطقة بأسعار اقل مما هي عليه في بقية مناطق الضفة الغربية.
وقد راجت منذ صعود اليمين الفاشي إلى السلطة في إسرائيل في أعقاب الانتخابات الأخيرة للكنيست الدعاية لتنشيط للسكن والاستثمار في الأغوار الفلسطينية. ويعرف الجميع أن دولة الاحتلال من خلال ألاعيب قانونية كانت قد زادت مساحات “أراضي الدولة ” في هذه المنطقة لتصبح نحو 54 % من مساحتها أي أربعة أضعاف ما كانت عليه قبل العام 1967 وأعلنت مساحات واسعة منها كمناطق اطلاق نار وأغلقت 20 % من مساحتها كمحميات طبيعية ، أي أنها سيطرت على أكثر من 80 % من مساحتها. نظرياً خصصت دولة الاحتلال 12% من هذه المساحة للمستوطنات والبؤر الاستيطانية والمزارع الرعوية، ولكن عملياً فإن المنطقة بأسرها تحولت إلى مجال حيوي للاستثمارات والنشاطات الاستيطانية. الفلسطينيون في المنطقة محاصرون في معازل صغيرة، محرومون من حق التخطيط العمراني والبناء ومن حق الوصول إلى المياه لتطوير زراعتهم، خاصة وأن المياه في الحوض الشرقي، وهو أهم الأحواض في الضفة الغربية مخصصة حصرًا للمستوطنين والمستوطنات، الاستيطان في الأغوار الفلسطينية، فضلاً عن كونه سطو لصوصي على أراضي الفلسطينيين، فهو عملية استثمارية مجزية للغاية للمستوطنين والشركات الاستثمارية، حيث تمتد مزارع النخيل والورود والأعشاب والخضروات والدواجن والأبقار والبحيرات الصناعية وغيرها من الاستثمارات الإسرائيلية وهي تجني من ورائه أرباحاً تقدر بنحو 750 مليون دولار سنويا وفق أسوأ وأقل التقديرات، أما الجانب الفلسطيني فإن خسائره لا تقل عن 800 مليون دولار بفعل القيود المشددة على تجمعاتهم وما تبقى لهم من أرض وعلى استثماراتهم.
موجة استيطان جديدة
وعلى مستوى النشاطات الاستيطانية الهدامة، التي ترعاها حكومة نتنياهو – سموتريتش – بن غفير، يبدو اننا أمام موجة رابعة غير مسبوقة لتغيير الأوضاع في الضفة الغربية، بما فيها القدس بوتائر متصاعدة. فهذه الحكومة تقوم بدفع مخططات لبناء آلاف الوحدات الاستيطانية في الضفة الغربية، إلى جانب آلاف أخرى في القدس الشرقية. فمنذ تشكيلها في كانون أول من العام الماضي، تمضي الإدارة المدنية تحت قيادة “سموتريتش” في الترويج للمشاريع الاستيطانية بعد الأعياد اليهودية من خلال تشريعات قوانين في الكنيست، وتعطي الضوء الأخضر لمجلس التخطيط في الادارة المدنية ووزارة الاسكان للبدء في عملية الترويج بعد ان تكون قد اجتازت ايداع المخططات والمصادقة عليها باعتبار الترويج هو المرحلة الأخيرة في مراحل المصادقة على خطط البناء.
وبالمقارنة بين العام الماضي والنصف الأول من العام الجاري فقد حدثت طفرة كبيرة في عمليات البناء في مستوطنات الضفة الغربية. فبعد أن كانت عطاءات البناء، التي صودق عليها عام 2022 نحو 4427 وحدة سكنية تضاعف العدد ثلاث مرات في النصف الأول من عام 2023، حيث اجتمع المجلس الأعلى للتخطيط، الذي يوافق على مشاريع البناء في الضفة الغربية، ثلاث مرات في عام 2023 ووافق على بناء 12,855 وحدة سكنية، بالإضافة إلى نشر مناقصات لبناء 1289 وحدة تمت الموافقة عليها بالفعل، وهو ما يمثل أكبر عدد من الوحدات السكنية التي تم تطويرها في مستوطنات الضفة الغربية بما فيها القدس منذ اتفاقيات أوسلو، وكانت هذه الحكومة قد قامت بعدد من الخطوات لدفع عملية البناء في المستوطنات ومنها الموافقة على إضفاء الشرعية الاحتلالية على 15 بؤرة استيطانية وتحويل 10 منها إلى مستوطنات جديدة وخمسة بؤر باعتبارها أحياء في مستوطنات قائمة.
هذا التسارع في تكثيف عمليات البناء في المستوطنات وفي إضفاء الشرعية الزائفة على عديد البؤر الاستيطانية يأتي في ضوء قرار إنشاء “إدارة المستوطنين”ونقل صلاحيات الإدارة المدنية إلى بتسلئيل سموتريتش وزير الاستيطان في وزارة الجيش، الذي أنشأ هذه الهيئة الحكومية الجديدة للإشراف على جميع جوانب حياة المستوطنين داخل الأراضي المحتلة.
الكلمات المفتاحية: المكتب الوطني, الأرض, غزة, الاستيطان, السطو.