غزة– خاص إذاعة صوت الوطن –حنين الجاجة|
في أسواق غزة، لم تعد العشرة شيكل مجرد قطعة معدنية خفيفة تمر بين الأيدي كما اعتاد الناس قبل الحرب. اختفاؤها التدريجي حوّلها إلى عملة شبه مفقودة، يبحث عنها التجار والزبائن في كل معاملة، بينما تَظهر آثار غيابها في تفاصيل البيع والشراء اليومية.
فالعملة التي كان يعتمد عليها الغزيون لشراء الاحتياجات الصغيرة — رطل خضار، رغيف خبز، أجرة مواصلات، أو أي سلعة منخفضة السعر — لم تعد متوفرة، ما خلق فجوة حقيقية في السوق المنهك أصلًا بفعل الحرب والانهيار الاقتصادي.
كيف غابت العملة المعدنية من المشهد؟
مع توقّف البنوك وتعطّل الصرافات الآلية خلال الأشهر الماضية، لم تدخل إلى القطاع كميات جديدة من العملات المعدنية الصغيرة. ومع الضغط المستمر على ما تبقّى من فئات نقدية، بدأت العشرة شيكل تتناقص تدريجيًا إلى أن أصبحت نادرة، ثم اختفت من التداول تقريبًا.
ويؤكد عدد من التجار خلال مقابلات مع إذاعة «صوت الوطن» أن ما بقي من هذه القطع في السوق قليل جدًا، وأن العديد من الزبائن يترددون في استخدامها خوفًا من أن يرفضها التجار أو يعتبرونها غير صالحة.
محاولات لإحياء العملة… لافتات تعيد الثقة
أمام هذا الاختفاء، لجأ بعض التجار في الأسواق الشعبية إلى مبادرات بسيطة لكنها فعّالة لإعادة الحياة للعملة المعدنية المفقودة.
بدأت تنتشر على أبواب المحال وبسطات الخضار لافتات مكتوب عليها: «نقبل عملة العشرة شيكل».
هذه العبارة – رغم بساطتها – تحمل محاولة لإعادة الثقة بالعملة وتشجيع الناس على تداولها بدل إخفائها في البيوت. ويرى بعض التجار أن إحياء تداول العشرة شيكل يساهم في تسهيل البيع اليومي، خصوصًا للسلع التي تعتمد على الأسعار الصغيرة.
من قلب السوق… أصوات تعكس الواقع
خلال جولة ميدانية قصيرة لمراسلة إذاعة «صوت الوطن» في سوق دير البلح وسط قطاع غزة تحدّث عدد من التجار والزبائن عن تأثير غياب العشرة شيكل:

أبو وائل، صاحب بسطة خضار، قال في حديث لإذاعتنا إن «غياب العملة أربك عمليات البيع، خاصة في السلع التي تتراوح أسعارها بين 6 و9 شيكل».
وأوضح أن تعليق لافتة «نقبل عملة العشرة شيكل» جاء كخطوة لتشجيع الناس على استخدامها بدل الاحتفاظ بها.
أم ناصر، إحدى المتسوقات، أشارت في حديث لإذاعتنا إلى أنها تحتفظ بعدة قطع معدنية من فئة العشرة شيكل لكنها كانت تخشى استخدامها خوفًا من رفضها. وأكدت أنها شعرت بارتياح حين رأت لافتة تقبل العملة، ما سهّل عليها شراء احتياجات بسيطة دون أي قلق.
أبو أحمد، سائق مركبة عمومية، قال لإذاعتنا إن «غياب العشرة شيكل أثّر بشكل مباشر على المواصلات». وأضاف أن كثيرًا من الركاب يدفعون بورقة أكبر ويواجهون مشكلة في استرداد الباقي، ما يسبب توترًا يوميًا بين السائقين والركاب. وأكد أن قبول العملة المعدنية وإعادة تداولها سيساعد في حل جزء من هذا الإرباك.
هذه الأصوات تعكس كيف أصبحت العملة المعدنية الصغيرة محور جدل يومي في كل زاوية من السوق.
تأثيرات يومية على الأسعار
اختفاء العشرة شيكل دفع بعض التجار إلى تعديل أسعارهم لتتناسب مع الفئات المتداولة حاليًا.
فقد ارتفعت بعض السلع التي كان من الممكن بيعها بـ7 أو 8 شيكل إلى 10 شيكل، فقط لأن العملة المناسبة غير متوفرة.
أما الباعة الصغار، فهم الأكثر تضررًا، إذ تعتمد أرباحهم اليومية على المعاملات الصغيرة التي تحتاج إلى توفر العملات المعدنية.
خطوة بسيطة… لكنها تخفف الأزمة
اللافتات التي حملت عبارة «نقبل عملة العشرة شيكل» قد تبدو فكرة بسيطة، لكنها ساهمت في إعادة قطعة نقدية مفقودة إلى دائرة التداول.
ورغم أن الحل النهائي يرتبط بتجديد ضخ العملات المعدنية إلى القطاع، إلا أن هذه المبادرات الفردية قلّلت من احتكاك الزبائن بالتجار، وخففت جزءًا من التعقيد الذي يعيشه السوق يوميًا.
العشرة شيكل — رغم كونها مجرد قطعة معدنية صغيرة — تكشف حجم الهشاشة التي يعيشها الاقتصاد في غزة.
غيابها كان كافيًا ليعيد صياغة الأسعار، ويُربك البيع، ويدفع التجار والناس إلى ابتكار حلولهم الخاصة.
وفي مدينة اعتاد أهلها مواجهة الأزمات بابتكار بسيط، جاءت لافتات قبول العملة كخطوة لإحياء ما غاب، وتخفيف عبء يومي يثقل كاهل الجميع.
الكلمات المفتاحية: غزة, العشرة شيكل, أسواق, الحركة الشرائية, أزمة, فكة.