
ترامب: سنتكفل بنزع سلاح حماس إذا رفضت التخلّي عنه
قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الثلاثاء “سننزع سلاح” حماس إذا رفضت الحركة التخلّي عنه، مشيرا إلى أن ذلك يمكن أن يحدث بالقوة إذا اقتضى الأمر. في تصريح للصحافيين في البيت […]
بعد سنواتٍ من الأسر القاسي، خرجت دفعةٌ جديدة من أسرى غزة إلى الحرية، وجوههم تحمل آثار السجون، وأرواحهم مثقلة بالذكريات، بينما صمتهم يروي قصة معاناةٍ طويلة من الحرمان والتعذيب في السجون الإسرائيلية.
عند الخامسة مساءً من يوم الاثنين الثالث عشر من تشرين الأول/ أكتوبر 2025، كانت ساحة مجمع ناصر الطبي في خان يونس تغصّ بألوف الفلسطينيين الذين تزاحموا عند الأسوار، يهتفون بأسماء أبنائهم كما تُتلى الأدعية في ليلةٍ مقدسة.
كانت لحظة الإفراج مشبعة بكل ما يمكن أن تحمله الذاكرة الفلسطينية من رموز: عودةٌ بعد فراقٍ أطول من العمر، ووجعٌ لا يزول حتى وهو يبتسم. امرأةٌ مسنّة صرخت باسم ابنها ثم أغمي عليها، وشابٌّ كان يحمل صورة أبيه الأسير ظلّ يبكي حين لم يجده في الدفعة.
الساحة تموج بالبكاء والضحك في آنٍ واحد، كأن غزة بأكملها خرجت من سجنٍ كبيرٍ لاستقبال أبنائها الأسرى الذين غابوا عنها لسنواتٍ أطول من الصبر ذاته.
ومع تدافع الحشود نحو الحافلات، ظهرت وجوه أربعةٍ من الأسرى القدامى، ممهورةٍ بالتجاعيد والسكينة والدهشة، التقطتها عدسات جريدة الأيام وهي توثّق لحظة العودة.
كانوا يسيرون ببطءٍ تحت ضوء الغروب، يضعون أقدامهم على أرضٍ كادت ذاكرتهم تنساها. هم عماد شحادة، وطارق طبش، ورائد الشيخ، وحسن اللوح، أربعة رجالٍ من غزة، حمل كلٌّ منهم عمرا من السجون على كتفيه، وخرجوا بعد عقودٍ من الغياب كمن يُبعث من الرماد.
في تلك اللحظة، لم يكن المشهد مجرّد احتفالٍ بالإفراج، بل ولادةً مؤلمةً من جديد. فكلّ خطوةٍ من خطواتهم نحو بوابة المجمع كانت إعلانًا صامتًا أن الحرية، بعد ثلاثين عامًا من العتمة، ليست نهاية الحكاية، بل بدايتها.
العائد من عمرٍ منسي
اعتُقل عماد شحادة في السابع من حزيران/ يونيو عام 1989، يوم كانت غزة لا تعرف بعد هذا الكمّ من الحصار والرماد. خرج يومها شابًا في العشرين من عمره، مفعمًا بالحياة، ليعود اليوم كهلاً ناحل الجسد، يحمل على كتفيه ثلاثة عقودٍ ونصفًا من القهر.
يقول ملاذ، أحد أقاربه، لـ»القدس العربي» وهو يحتضنه عند بوابة المجمع: «ما صدّقت أن أشمّ رائحته، كنت أظن أنه رحل».
أما عماد نفسه، فلم يقل الكثير، واكتفى بكلماتٍ قصيرة لـ»القدس العربي»: «كل شيء تغيّر… حتى رائحة البحر نسيتها».
في سجون الاحتلال، قضى عماد سنواته متنقّلًا بين الزنازين الانفرادية، يعاني من أمراض المفاصل وسوء التغذية. لم يُسمح له بالاستحمام لأيامٍ طويلة، وكان يروي لرفاقه في الزنزانة كيف كان يتخيل ضوء الفجر يدخل من نافذةٍ صغيرة، فيقرأ القرآن بصوتٍ خافت حتى لا يسمعه السجان.
ولما علم بخبر الإفراج قبل ساعات، لم يصدق في البداية، وقال لهم: «أنتم تمزحون… المؤبد لا ينكسر». لكن عندما رأى السماء في ساحة المجمع، أدرك أن الحرية يمكن أن تأتي ولو متأخرة.
أكثر ما صدّع قلبه لحظة خروجه أنه لم يجد والدته التي كانت تزوره حتى عامها الأخير. قال شقيقه وهو يبكي: «أمي ماتت وهي تنتظرك، كانت كل صباح تفتح الراديو على نشرات الأسرى». فابتسم عماد وقال: «هي الآن ترى كل شيء من هناك… من الجهة التي لا يُغلق فيها باب».
الحارس الذي لم يفقد الإيمان
من خان يونس نفسها خرج الأسير طارق خالد طبش، المعتقل منذ التاسع من شباط/ فبراير 2001. كان حينها في السابعة عشرة من عمره، فتىً نحيفا يوزّع المناشير في شوارع المخيم. في ليلةٍ باردةٍ اعتقلته قوات الاحتلال من بيته، وبدأت رحلة السنين التي حُكم فيها بالمؤبد، ليخرج الآن بعد ربع قرنٍ إلا قليلًا.
يقول رؤوف طبش، أحد أصدقائه القدامى، لـ»القدس العربي»: «كان طارق في السجن إماما ومعلّما، يكتب الشعر من فتات الخبز، ويعلّق القصائد على جدران الذاكرة».
داخل الزنزانة، حفظ القرآن كاملًا، وكان يكتب الرسائل على أغلفة السجائر المهرّبة، يرسلها سرًا عبر نزلاء يخرجون بعده. في إحداها كتب: «قولوا لأمي إن قلبي لم يصدأ، فقط خفَت صوته».
حين ترجل من الحافلة أمام مجمع ناصر الطبي، وقف طارق ينظر نحو أفق المخيم، يحاول أن يتعرّف على ملامحه القديمة. لم يجد شيئًا يشبه ما غادره. قال لنا بصوتٍ خافت: «بيوتنا صارت خيامًا، وغزة كلها صارت أسيرة».
لكن وسط الوجع كان هناك ومضٌ من الأمل. فقد حملت ابنته الصغيرة – التي وُلدت بعد اعتقاله بأشهر – صورته طوال السنوات الماضية. وعند الإفراج، كانت أول من عانقه وهي تردد: «أخيرًا رجعت يا بابا».
الشيخ الذي علّق عمره عند بوابة جباليا
أما رائد محمود الشيخ، ابن مخيم جباليا، فقد اعتُقل في السادس والعشرين من تشرين الأول/ أكتوبر عام 2001، بعد أيام من اجتياح المخيم. كان ناشطًا في لجان المقاومة الشعبية، واتُّهم بالمشاركة في عمليات ضد الاحتلال، فحُكم عليه بالمؤبد.
خلال الأعوام الطويلة، صار اسمه جزءًا من ذاكرة الأسرى، يلقبونه بـ»الشيخ الصابر». في إحدى المرات كتب على جدار الزنزانة: «سنخرج يوما… ولو رمادا».
حين أُعلن عن إدراجه في قوائم الإفراج، لم يصدق أحد في جباليا الخبر. الناس هناك رأوه رمزا، لا شخصا يمكن أن يعود حيًا. وبينما كان يخطو خطواته الأولى على أرض القطاع، هتفت له امرأة عجوز من الحشود: «يا رائد، جباليا بتستنّاك». اقترب منها وبكى طويلًا دون أن يتحدث.
في أول تصريح قصير له قال لنا: «عشرون عامًا من الانتظار ليست عبثًا. الحرية أثمن من الهواء». ثم أضاف وهو يرفع يده نحو السماء: «لكل من بقي في الأسر… ما زالت الأبواب تعرف الطريق إلى الضوء». كان صوته مبحوحًا، لكنه يحمل نبرة رجل خرج من تحت الركام.
ذاكرة تمشي على قدمين
الأسير الرابع حسن مصطفى اللوح من مدينة غزة، اعتُقل في الثامن والعشرين من نيسان/ أبريل عام 2002، وكان وقتها في الثالثة والعشرين من عمره. شاب جامعي يدرس الهندسة، انقطعت دراسته يوم اقتحم الجنود بيته. أمضى في السجن ثلاثةً وعشرين عامًا من المؤبد الذي لم يكتمل.
يقول محمد بدران، أحد رفاقه في الزنزانة: «كان حسن يحلم ببناء بيت على البحر بعد الحرية». وعندما خرج، لم يجد بحرًا بل ركامًا من منازل وشوارع محروقة.
ومع ذلك، كان أول ما فعله أن مشى نحو شاطئ غزة، جلس هناك طويلًا، وقال لمن كان حوله: «كنت أعدّ الأيام على صوت الموج، واليوم عدت لأكمل العدّ من جديد».
داخل السجن فقد حسن بصره في عينه اليسرى بعد سنوات من التعذيب والإهمال الطبي، لكنه لم يفقد رؤيته للحياة. قال في كلماته القليلة خلال حديثه لـ»القدس العربي»: «من يدخل السجن لا يخرج كما كان، لكنه يخرج أكثر يقينًا بأن الحرية ليست منحة، بل دينٌ في أعناقنا».
حين يعجز الكلام عن رواية العذاب
رغم الفرح الذي غمر الشوارع عند لحظة الإفراج، ظلّ الصمت سيد الموقف في وجوه الأسرى الأربعة الذين تنفسوا الحرية بعد أعوامٍ من الظلمة. كان الجميع يترقب حديثهم عن التعذيب والعزل والجوع، لكن كلماتهم خذلتهم كما لو أن الذاكرة قررت أن تغلق أبوابها. ابتساماتهم كانت متعبة، وعيونهم معلقة في الفراغ، وكأنها ما زالت تبحث عن ضوء الزنزانة البعيد. في الطرف الآخر من المشهد، كان الطبيب النفسي سامر عويضة، استشاري الطب النفسي الفلسطيني، يتحدث بنبرة المتأمل في جرحٍ لم يندمل بعد: «هؤلاء الأسرى يشبهون الناجين من كوارث كبرى. في علم النفس نسمي هذا النوع من الصدمة (النجاة الثقيلة)، لأن من يخرج من الجحيم لا يعود كما كان». ويشرح عويضة أن مظاهر الصمت والتردد وحتى النظرات الزائغة هي «آليات دفاعية لحماية العقل من الانهيار الكامل»، مشيرًا إلى أن «الدماغ يختار النسيان المؤقت ليمنح النفس فرصة للتنفس».
ويضيف عويضة خلال حديثه لـ»القدس العربي» أن العلاج في مثل هذه الحالات لا يقتصر على الدواء أو الجلسات النفسية، بل يحتاج إلى احتضان اجتماعي وأجواء إنسانية دافئة: «حين يلمس الأسير أنه ما زال جزءًا من الجماعة، يبدأ بالتصالح مع ذاته. أما إذا تُرك وحيدًا أمام ذاكرته، فسيعود إلى السجن من دون قيود».
الحرية ناقصة والعدالة بعيدة
في حديث خاص لـ»القدس العربي» قال رائد عامر، مدير دائرة العلاقات الدولية في «نادي الأسير الفلسطيني»، إن مشهد الإفراج من خان يونس «يحمل فرحًا ممزوجًا بالمرارة»، موضحًا أن ما جرى ليس إفراجًا كاملًا بقدر ما هو «نقلٌ للألم من الزنازين إلى الشوارع المهدمة».
وأضاف عامر أن نحو 1719 أسيرًا غزيًا أُطلق سراحهم أمام مجمع ناصر الطبي، إلى جانب 251 أسيرًا من ذوي الأحكام المؤبدة نُقلوا إلى الضفة الغربية والقدس، وبعضهم إلى الخارج. وقال: «هذا الرقم لا يلغي الحقيقة الموجعة، فآلاف آخرون ما زالوا خلف الجدران ينتظرون لحظة كهذه».
وأوضح أن كثيرًا من المفرج عنهم «يعانون من آثار التعذيب وسوء التغذية والحرمان من أبسط الحقوق الإنسانية»، لافتًا الانتباه إلى أن الاحتلال «تعمد إذلالهم خلال الأعوام الماضية باستخدام الحرمان الممنهج من الماء والاستحمام والهواء النقي».وأشار إلى أن معظمهم خرجوا «بأجساد هزيلة، لكنهم بأرواح أقوى من الحديد». وتابع عامر: «القصة الحقيقية ليست في الإفراج فقط، بل في أن الاحتلال يستمر في اعتقال الجيل الجديد بالأساليب نفسها، ليعيد تدوير المعاناة جيلًا بعد جيل». وأكد أن «ما نشهده اليوم هو تذكير بأن الحرية في فلسطين ليست نهاية القيد، بل بداية معركة الذاكرة».
وفي ختام تصريحه، قال بنبرة حزينة: «نحن نحتفل اليوم بوجوهٍ عادت، لكن علينا ألا ننسى الوجوه التي ما زالت هناك، خلف الجدران… حيث لا ضوء ولا موعد».
الكلمات المفتاحية: أسرى, الحرية, الإسرائيلية, صمت, غزة بعد, يروي, جحيم, السجون, غزة.
قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الثلاثاء “سننزع سلاح” حماس إذا رفضت الحركة التخلّي عنه، مشيرا إلى أن ذلك يمكن أن يحدث بالقوة إذا اقتضى الأمر. في تصريح للصحافيين في البيت […]
الأربعاء | +30° | +25° | |
الخميس | +31° | +25° | |
الجمعة | +30° | +25° | |
السبت | +29° | +24° | |
الأحد | +29° | +24° | |
الاثنين | +29° | +24° |