تقرير خاص إذاعة صوت الوطن 105F.M
على مدار عامين كاملين، ومنذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، تعرّض قطاع غزة لحرب إبادة جماعية ممنهجة، ارتكبتها إسرائيل، القوة القائمة بالاحتلال، أمام أنظار العالم. هذه الحرب لم تترك زاوية من حياة الفلسطينيين إلا ودمغتها بالموت والدمار: البشر، الحجر، الشجر، الماء، التعليم، والصحة—all في مرمى الاستهداف. حصيلة الضحايا المروعة، والدمار الشامل، والنزوح القسري، والمجاعة المتفشية، تكشف عن واحدة من أبشع الجرائم الجماعية في التاريخ الحديث.
أرقام صادمة… أجساد تحت الركام ودماء لا تتوقف
تؤكد وزارة الصحة الفلسطينية أن العدوان الإسرائيلي المتواصل تجاوز حدود الإحصاءات الرقمية، ليمثل انتهاكًا شاملًا لكل حقوق الإنسان. فقد وصل عدد الشهداء منذ بدء الحرب وحتى الرابع من تشرين الأول/أكتوبر 2025 إلى 67,074 شهيدًا، بينما تجاوز عدد المصابين 169,430 مصابًا، يعاني كثير منهم إصابات حرجة وصدمات عميقة. ولا يزال عدد من الضحايا تحت الركام، حيث تعجز طواقم الإنقاذ عن الوصول إليهم بسبب القصف المتواصل.
ومنذ 18 آذار/مارس الماضي فقط، استشهد 13,486 فلسطينيًا وأصيب 57,389 آخرون، في استمرار لحرب لا تتوقف.
القطاع الصحي، العمود الفقري لأي حياة مدنية، تلقى ضربات قاصمة: 34 مستشفى من أصل 36 تعرضت للتدمير الكلي أو الجزئي، وأكثر من 400 هجوم استهدف مرافق صحية وكوادر طبية. المستشفيات المتبقية تعمل جزئيًا في ظروف مأساوية، بينما دُمّرت نحو 150 مركبة إسعاف واستُهدفت طواقمها، في جريمة ترقى إلى الإبادة الصحية.
التجويع… سلاح حرب باردة ومميتة
منذ الأشهر الأولى للعدوان، استخدمت إسرائيل سلاح التجويع بشكل منهجي. ففي آب/أغسطس الماضي، أكد “التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي” حدوث مجاعة فعلية في محافظة غزة، مع توقع انتشارها إلى دير البلح وخان يونس.
أكثر من 500 ألف شخص يواجهون المرحلة الخامسة من انعدام الأمن الغذائي (المجاعة)، بينما يعيش 1.07 مليون شخص في المرحلة الرابعة (الطوارئ). وقد أزهقت المجاعة منذ بدء الحرب أرواح 459 شخصًا بينهم 154 طفلًا.
ورغم تكدّس شاحنات المساعدات الإنسانية على مداخل القطاع، تواصل إسرائيل منع دخولها أو التحكم بتوزيعها بكميات لا تكفي حتى الحد الأدنى من الاحتياجات، وسط حصار خانق مشدد منذ 2 آذار/مارس الماضي. إنها حرب على الحياة، تُنفذ بخنق الأنفاس قبل القنابل.
نزوح قسري… وطن يُقتلع من مكانه
نزح قسرًا نحو 1.9 مليون فلسطيني داخل قطاع غزة، بحسب وكالة “الأونروا”، أي الغالبية العظمى من السكان. أكثر من 1.2 مليون شخص نزحوا من مدينة غزة وحدها منذ منتصف آذار/مارس الماضي، في واحدة من أكبر موجات النزوح الداخلي في التاريخ الحديث.
الاحتلال نفذ عمليات تهجير منظمة، ترافقت مع هجمات مروعة، منها نسف منازل بروبوتات مفخخة، وقصف مدفعي، وإطلاق نار عشوائي. وبحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، 88% من مساحة القطاع خاضعة لأوامر إخلاء إسرائيلية. آلاف العائلات اضطرت للسير لساعات سيرًا على الأقدام بعد أن باعت ممتلكاتها لتأمين تكاليف النزوح، في مشهد إنساني يقطّع القلب.
في شمال القطاع، أُجبرت عشرات الملاجئ على الإغلاق، ولم يتبقّ سوى 40 موقعًا تأوي النازحين حتى نهاية أيلول/سبتمبر، وسط انهيار المنظومة الإنسانية.
البيئة… دمار يستمر لعقود
الأمم المتحدة حذرت في 23 أيلول/سبتمبر من أن التعافي البيئي في غزة قد يستغرق عقودًا. فقد فقد القطاع 97% من محاصيله الشجرية، و95% من أراضي الجنيبات، و82% من محاصيله الموسمية، ما جعل الإنتاج الغذائي شبه مستحيل.
نحو 78% من مباني غزة تضررت أو دُمّرت، أي ما يعادل 61 مليون طن من الركام، يعتقد أن 15% منه ملوث بمواد خطرة. مياه غزة ملوثة بشدة، وشبكات الصرف الصحي انهارت، فيما تسرب التلوث إلى الخزان الجوفي والبحر، مهددًا أجيالًا قادمة.
صور الأقمار الصناعية كشفت مشهدًا صادمًا: أكثر من 42,470 مبنى مدمر بالكامل في محافظتي غزة والشمال حتى تموز/يوليو 2025، في تسارع كارثي للدمار.
الإبادة التعليمية… جيل يُمحى من السجل الوطني
لم يسلم التعليم من آلة الحرب. الاحتلال دمر 179 مدرسة حكومية بالكامل، وقصف 118 أخرى، إضافة إلى تدمير 100 مدرسة تابعة للأونروا و20 مؤسسة تعليم عالٍ، وأكثر من 63 مبنى جامعيًا.
استشهد 18,069 طالب مدرسة وأصيب أكثر من 26,391، كما استشهد 1,319 طالب جامعة وأصيب أكثر من 2,809. كما استشهد 1,016 معلمًا وأكاديميًا وجُرح أكثر من 4,667.
حوالي 630 ألف طالب وطالبة حُرموا من التعليم منذ بداية الحرب، إضافة إلى عشرات الآلاف من الأطفال الذين حُرموا من رياض الأطفال. ورغم ذلك، أصرّت وزارة التربية والتعليم العالي على عقد امتحانات الثانوية العامة إلكترونيًا لنحو 27 ألف طالب، وافتتحت مدارس افتراضية، في تحدٍ بطولي لإرادة المحو.
وفي الختام: إرث الدم والصمود
عامان من الإبادة الجماعية في غزة شكلا جرحًا مفتوحًا في ضمير الإنسانية. العالم يرى ويسمع ويصمت. لكن غزة، رغم الركام والجوع والنزوح، لم تُهزم. شعبها يقف في وجه الموت، يحمي ذاكرته وهويته، ويدفع بأطفاله نحو التعليم تحت القصف، وبأطبائه نحو خطوط النار، وبمزارعيه نحو أرض أحرقت، وبنسائه نحو خيام النزوح حاملات الحياة من رحم الموت.
هذه ليست مجرد أرقام؛ إنها ملامح جريمة قرن تُرتكب في وضح النهار، وتُقابل بتواطؤ دولي مريع. ومع
ذلك، يظل صوت الوطن من غزة عاليًا: “لن يُمحى الوجود، ولو محوا المدن.”
الكلمات المفتاحية: المجاعة, المدارس والجامعات, الاحتلال الإسرائيلي, الكارثة الإنسانية, الحصار, صمود غزة, النزوح القسري, الدمار البيئي, غزة, التعليم في غزة, المستشفيات, جرائم الحرب, الأمم المتحدة, وزارة الصحة الفلسطينية, القصف الإسرائيلي, انعدام الأمن الغذائي, البنية التحتية, الشهداء والجرحى, الإبادة الجماعية, الدمار الشامل.