غزة– تقرير خاص لإذاعة صوت الوطن | شيماء ناصر الدرة
في زمن يُقاس فيه الألم بعدد الأرغفة، يقف سكان قطاع غزة اليوم أمام واحدة من أقسى صور الحصار والجوع في العصر الحديث. مع استمرار الاحتلال الإسرائيلي في إغلاق المعابر ومنع إدخال الدقيق والمواد الأساسية لأكثر من خمسة أشهر متتالية، فتحت أبواب المعاناة على مصراعيها، ليتحول الخبز من مادة غذائية أساسية إلى “حلم يومي”.
في محاولة يائسة لمواجهة كابوس المجاعة، لم يكن الأمر ترفًا أو تجربة طهي جديدة، بل محاولة حقيقية للبقاء. بدلاً من الدقيق، لجأ سكان القطاع إلى ما توفر لديهم: أرز يُطحن، معكرونة تُسحق، بطاطا تُعجن، وعدس يُخمر، تحولت كلها إلى خبز يقي من الجوع ولو مؤقتًا.
حين تصبح المعكرونة خبزًا
تقول السيدة أم محمود العثماني، في تصريح لإذاعة صوت الوطن، إن عائلتها لجأت لاستخدام المعكرونة كبديل للطحين، في ظل الغلاء الفاحش وارتفاع سعره لأكثر من ألف شيكل للكيس الواحد (وزن 25 كيلو). وأضافت:
“حتى المعكرونة لم تكن متوفرة إلا بكميات قليلة، ثم اختفت تمامًا من الأسواق مع ازدياد الطلب عليها، وما تبقى منها ارتفع سعره فوق المعقول”.
وتابعت العثماني، وهي تقلب الأرغفة في المقلاة:
“طعم هذا الخبز ليس كالخبز العادي، لكنه يسد جوع أطفالي. بدأنا بصنعه منذ تفاقمت المجاعة، وأطفالنا باتوا ينامون والجوع ينخر أجسادهم. لا نعرف ماذا نفعل، وجبة واحدة في اليوم فقط ونصبر أنفسنا على القليل من الطعام”.
حين يصبح العدس عجينًا
المواطنة أم غسان منصور لم تكن بأفضل حال، إذ أصبحت وصفة خبز العدس طوق نجاتها لسد حاجة صغارها بعد نفاد الدقيق الأبيض لديها. قالت لإذاعة صوت الوطن:
“كنت أنقع العدس طوال الليل، أغير الماء للتخلص من الغازات، ثم أضيف الماء الدافئ، الخميرة، الملح، والسكر، وأطحنه بخلاط موصول بنقطة شحن تعمل بالطاقة الشمسية”.
وأضافت: “ترددت في البداية خشية أن يكون الخبز غير صالح للاستخدام، لكنه كان جيدًا”. وأكدت أن جميع الغزيين يكافحون بالصخر لئلا يموت أطفالهم جوعًا، لذا يحصلون على القليل من الخبز كوجبة واحدة يوميًا.
أرغفة مقنّنة بطعم البقاء
في مخيم البريج، تسلك المواطنة أم بسام أبو عطايا دربًا مختلفًا. فهي صاحبة فرن خبز، قالت لإذاعة صوت الوطن:
“أخبز للناس بينما لا أملك كسرة خبز لعائلتي. أعجن نصف كيلو فقط لعائلة مكونة من أحد عشر فردًا، وأحرص على توزيع نصف رغيف لكل فرد”.
وأضافت:
“الناس هنا يبتكرون من أي شيء ممكن خبزًا من أجل البقاء. بعضهم يطحن الحمص والفاصوليا، الأرز والشعير، وأي شيء يمكن طحنه، لكن هذه حلول مؤقتة، والأزمة أعمق من مجرد خبز”.
مجاعة تتفشى والأرقام تدق ناقوس الخطر
في سياق سياسة الحصار التي تستهدف تدمير الفلسطيني نفسيًا وجسديًا، أعلنت وزارة الصحة في غزة أن 91% من السكان يواجهون أزمة غذائية خانقة وسط نقص حاد في المواد الأساسية.
وأفادت الوزارة في بيان صحفي بأن عدد ضحايا المجاعة وسوء التغذية ارتفع إلى 180 شهيدًا، من بينهم 93 طفلًا.
وأشار المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إلى تفشي المجاعة في قطاع غزة بمستويات كارثية، مع ارتفاع حاد في معدلات الوفاة الطبيعية، خصوصًا بين الأطفال وكبار السن.
وأوضح المرصد أن هذا هو أطول حصار شامل يفرضه الاحتلال الإسرائيلي على القطاع منذ بدء العدوان في 7 أكتوبر 2023، محذرًا من تفاقم الكارثة الإنسانية مع دخول الحصار شهره الثالث.
الحصار يعمق معاناة الفلسطينيين
منذ 2 مارس الماضي، توقفت المساعدات الإنسانية كليًا بفعل الإغلاق الكامل للمعابر من قبل الاحتلال، مما فاقم أزمة الجوع التي تهدد حياة السكان، لا سيما الأطفال، في سياق سياسة “التجويع المتعمد” التي يتبعها الاحتلال.
وجاء الإغلاق في وقت يعاني فيه القطاع أصلاً من نقص حاد في المواد الأساسية، ما زاد من تفاقم الأوضاع الإنسانية وعمّق أزمة الغذاء، في ظل ارتفاع جنوني في الأسعار، مما جعل سكان غزة عاجزين عن تأمين الحد الأدنى من احتياجاتهم اليومية.
الخبز مقاومة يومية
في ظل غياب الحلول واستمرار الحصار وتراجع المساعدات، يبقى الخبز في غزة شهادة يومية على مأساة لا تنتهي، وعلى شعب لا ينكسر. لم تعد وجبة الخبز مجرد حاجة غذائية، بل تحولت إلى فعل مقاومة يومي ضد الجوع والخذلان.
إذاعة صوت الوطن تتابع معكم تطورات المجاعة في قطاع غزة، وتنقل أصوات أهلها الذين يصنعون من الألم أملًا ومن اليأس صمودًا.
الكلمات المفتاحية: غزة, بدائل الطحين, المعكرونه.