غزة – إذاعة صوت الوطن – أنسام القطاع
في قطاع أنهكته حرب الإبادة الجماعية المستمرة منذ 7 أكتوبر 2023، تحوّلت الرواتب من شريان أمان للموظفين إلى عبء ثقيل فوق أكتافهم. بين الاستقطاع الإجباري، و”التكييش” الجائر، وغياب الرقابة، يقف المواطن الغزّي وحيدًا في مواجهة غلاء الأسعار، والقوانين المعطلة، وتغوّل البنوك.
راتب يتآكل وعمولات تلتهم الباقي
أحمد وادي، موظف حكومي وأب لأربعة أطفال، يتقاضى 40% فقط من راتبه الأساسي البالغ 1400 شيكل، بعد خصم قرض شهري وعمولات “تكييش” قد تصل إلى نصف المبلغ المتبقي. ويقول وادي لإذاعة صوت الوطن:
“أنا ما أخدت القرض إلا لحاجة، بس اليوم، ما عاد فيني أعيش منه. بعد ما أدفع العمولة، بالكاد أشتري شوية حاجات. الأسعار نار، وكل يوم أغلى من اللي قبله.”
ويخشى وادي من تنفيذ قرار خصم القروض تلقائيًا من الراتب، قائلًا: “يعني ببساطة، ما راح يضل شيء للمعيشة”.
قروض وسط الحرب… وجع مشترك
شادي اشتيوي، موظف وأب لأربعة أطفال أيضًا، لا يختلف حاله كثيرًا، إذ يتعرض لاقتطاع قسري من راتبه البالغ 1500 شيكل، ويقول لإذاعة صوت الوطن:
“إحنا مش ضد سداد القروض، بس لازم يكون في اعتبار لظروف الناس. الحرب دمرت كل شيء، والوضع المعيشي ما عاد يحتمل خصومات جديدة.”
وطالب اشتيوي بتدخل عاجل لإنصاف الموظفين، خصوصًا في ظل الكارثة الإنسانية المتفاقمة.
المواطن بلا حماية… والقضاء مشلول
المحامي محمد المصري يرى أن خصم البنوك من الرواتب “حق قانوني”، لكنه يوضح أن تطبيقه في ظل الحرب وغياب القضاء يشكّل ظلمًا بيّنًا. ويضيف في حديثه لإذاعة صوت الوطن:
“حتى لو فيه قرارات تمنع الخصم، من سينفذها؟ القضاء مشلول، وسلطة القانون غائبة. المواطن لا يستطيع رفع دعوى حتى لو ظُلم.”
وأشار المصري إلى أن بعض البنوك تتجاوز صلاحيات سلطة النقد دون رقيب أو محاسبة.
البنوك تتغول وسلطة النقد تتفرج
بدوره، أكد المحلل الاقتصادي أحمد أبو قمر لإذاعة صوت الوطن أن بعض البنوك لم تلتزم بتعليمات سلطة النقد بوقف الخصومات حتى نهاية 2025، قائلًا:
“الموظف اللي بياخد 3000 شيكل، بيخسر نصفهم في التكييش، وإذا خُصم القرض، بيضل له 200 شيكل نقدًا، وهذا ما بيكفي ثمن رغيف في ظل الغلاء.”
وأضاف أبو قمر: “بدلًا من محاسبة شبكات التكييش، البنوك بتضغط على المواطن، وكأن دوره الوحيد يدفع الثمن.”
وطالب بوقف كافة الخصومات فورًا، ومحاسبة الجهات المخالفة، مؤكدًا:
“الناس بحاجة لحماية، مش لقرارات تصب في مصلحة البنوك فقط.”
بين الحرب والاستغلال… المواطن هو الضحية
في غزة، لم تعد الحرب وحدها من تفتك بالحياة، بل امتدت المعاناة إلى لقمة العيش والراتب الشهري الذي تحوّل إلى قيدٍ ثقيل. وسط غياب العدالة، وصمت الجهات الرقابية، يجد الموظف نفسه محاصرًا بين استقطاعٍ لا يرحم، وبنوكٍ تتربص بلقمة أطفاله، وأسواقٍ تلتهم القليل المتبقي.
إن صمت الجهات التنفيذية والرقابية عن هذه التجاوزات لا يقل فداحةً عن الاستغلال نفسه. فهل من صحوة ضمير توقف هذا النزيف؟ أم أن المواطن الغزيّ سيبقى وحيدًا يدفع ثمن الحرب… والفساد… والخذلان؟
الكلمات المفتاحية: التكييش, العمولة, سلطة النقد, الرواتب, أنسام القطاع, الرقابة, الاستقطاع, غزة, صوت الوطن.