غزة – خاص إذاعة صوت الوطن | إعداد: حنين الجاجة
في قطاع غزة، لم يعد الانهيار الاقتصادي مجرد رقم في تقارير دولية، بل واقعًا يوميًا يعانيه أكثر من مليوني فلسطيني يعيشون تحت النار والحصار. فمنذ اندلاع الحرب الإسرائيلية في أكتوبر 2023، دخل الاقتصاد الغزي في حالة شلل شبه تام، وسط دمار واسع للمنشآت التجارية والمصانع والمرافق الحيوية.
بحسب تقرير صادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (UNCTAD)، انكمش الناتج المحلي الإجمالي في غزة بنسبة 81% خلال الربع الأخير من عام 2023، ما أدى إلى تراجع الاقتصاد إلى أقل من سدس حجمه قبل الحرب. أما البنك الدولي، فأشار إلى أن 22% من الناتج السنوي قد فُقد بالفعل، محذرًا من أن العودة إلى مستويات ما قبل الحرب قد لا تحدث قبل عام 2035.
دمار ممنهج واستهداف للبنية الاقتصادية
ماهر الطبّاع، الخبير والمحلل الاقتصادي، صرّح لإذاعة صوت الوطن بأن: “توقف الأنشطة الاقتصادية بالكامل، والدمار الهائل في المنشآت الإنتاجية، أدى إلى تدهور خطير في الناتج المحلي، وهو ما فاقم حالة الانهيار الاقتصادي في غزة.”
من جانبه، أكد الدكتور سمير أبو مدلله، أستاذ الاقتصاد في جامعة الأزهر – غزة، في حديثه للإذاعة، أن ما يحدث هو نتيجة مباشرة لحصار طويل المدى وعدوان ممنهج، موضحًا:
“الاحتلال دمّر المنشآت الصناعية والزراعية والتجارية، وعطّل عمل المؤسسات الدولية، ما تسبب بشلل اقتصادي واسع النطاق.”
بطالة وجوع… والأرقام صادمة
تشير تقارير البنك الدولي والأمم المتحدة إلى أن نسبة البطالة في غزة تجاوزت 80%، فيما تضرر أو دُمر 37% من المباني والمرافق العامة، بما في ذلك المدارس والمستشفيات. ومع ندرة السلع، ارتفعت الأسعار بشكل غير مسبوق.
يقول الطبّاع: “القطاع الخاص، المشغل الرئيسي في غزة، تضرر بشكل كارثي، وهذا يفسّر النسبة غير المسبوقة للبطالة.”
وفي ظل إغلاق المعابر ومنع دخول المساعدات، يضيف د. أبو مدلله: “كنا بحاجة إلى 1000 شاحنة يوميًا قبل الحرب، منها 600 للغذاء. اليوم، بات المواطن يعتمد على الحد الأدنى من المساعدات أو يشتري احتياجاته بأسعار خيالية على أمل دخول شحنات جديدة.”

القطاع المصرفي.. من الانهيار إلى انعدام الثقة
الضربة الأقسى كانت في النظام المالي، حيث توقفت 56 مؤسسة مصرفية عن العمل، ولم يتبق سوى ثلاثة أجهزة صراف آلي تعمل جزئيًا. وقدّرت منصة EcomNewsMed خسائر القطاع المصرفي بأكثر من 200 مليون دولار، في ظل تراجع الإقراض، وانعدام السيولة، وانتشار العملات المهترئة.
يوضح الطبّاع: “انعدمت السيولة في غزة، ومع كل عملية تحويل إلكتروني، يخسر المواطن ما يقرب من نصف المبلغ، في ظل نقص حاد بالعملة الورقية.”
وفيما يتعلق بسرقة البنوك، أكد د. أبو مدلله: “حدثت عمليات موثقة خلال فترات الهدنة، وتقدمت البنوك بتقارير رسمية لسلطة النقد. يجب رفع شكاوى دولية لفضح جرائم الاحتلال.”
كما كشف البنك المركزي الفلسطيني أن الاحتلال استولى على 54 مليون دولار من أموال البنوك، فيما فقد القطاع قرابة 180 مليون دولار نتيجة الفوضى والنهب خلال العدوان.
المحافظ الإلكترونية… بين الأمل والتحدي
رغم انهيار البنية التحتية، لم تتوقف المحافظ الإلكترونية عن العمل، بل زاد استخدامها، حسب الطبّاع، الذي قال:
“الاعتماد على الدفع الإلكتروني أصبح بديلًا جزئيًا في ظل انعدام النقد، لكن محدودية الكهرباء والاتصالات تمنع توسع هذه الآلية.”
هل تعود الثقة بعد الحرب؟
الثقة بالقطاع المصرفي باتت شبه معدومة، والمواطنون يفضلون الاحتفاظ بأموالهم نقدًا أو دفنها تحت ركام منازلهم. لكن د. أبو مدلله يؤكد: “ستعود الثقة بمجرد انتهاء العدوان وبدء عملية إعادة إعمار جدية. المواطنون بدأوا تدريجيًا إيداع أموالهم في البنوك بسبب حاجة السوق إلى السيولة، خاصة في ظل الانكماش الحاد.”
ويختم الطبّاع حديثه لإذاعة صوت الوطن بالقول:
“إنهاء الحرب وبدء إعمار فعلي وسريع هو السبيل الوحيد لإعادة الحياة للاقتصاد الغزي، واستعادة الأمل في مستقبل اقتصادي مستقر.”
غزة اليوم لا تُدار بالنقود، بل بتقشف الأمل. المؤسسات الاقتصادية أشبه بأشباح مدمّرة، والمال فقد قيمته في بلد لا يستطيع أفراده تأمين أدنى متطلبات الحياة. فهل من قوة تعيد للبنية المالية شرايينها، وتنتشل الغزيين من هذا الانهيار الشامل؟
الكلمات المفتاحية: غزة, صوت الوطن, المساعدات, الاقتصاد الغزي, انهيار السوق, البطالة, المحافظ الإلكترونية.