في مشهد يغرق في الدم والدخان، تتجاوز إسرائيل في حربها على قطاع غزة حدود العدوان العسكري التقليدي، إلى ما يشبه الاجتثاث الكامل للحياة. فقد كشفت وسائل إعلام إسرائيلية، بينها هآرتس ويديعوت أحرونوت، عن خطة عسكرية ممنهجة أُطلق عليها اسم «السقف على الأرض»، تهدف إلى تسوية كل شيء بالتراب، دون استثناء، ضمن حملة تدمير شاملة وصفها مراقبون بأنها «تطهير عمراني» غير مسبوق في التاريخ الحديث.
✍️ وسام زغبر
عضو الأمانة العامة لنقابة الصحفيين الفلسطينيين
في غمرة الدم والدخان، لم تكتف إسرائيل بإحراق البيوت في قطاع غزة كما فعلت في بداية حرب الإبادة، بل تجاوزت ذلك هذه المرة إلى ما يشبه الاجتثاث الكامل للحياة، وفق خطة عسكرية ممنهجة تُعرف باسم «السقف على الأرض»، كشفت عنها وسائل إعلام إسرائيلية من بينها هآرتس ويديعوت أحرونوت، بكل وقاحة، دون خجل أو مواربة.
ليست هذه الخطة مجرد عنوان عسكري، بل منهجية تدمير مدفوعة الأجر، حيث يُكلّف مقاولون مدنيون بهدم المنازل مقابل مقابل مادي، تُحسب قيمته وفق عدد الأبنية التي يتم تسويتها بالأرض. لم تعد الحرب تقتصر على القصف العشوائي أو «الردع» أو حتى الانتقام من السكان؛ بل أصبحت حربًا ضد السكن والمكان والوجود ذاته.
المؤسسة العسكرية الإسرائيلية لم تُخفِ نواياها، بل صرّح أحد ضباطها بوضوح: «الأمر ببساطة عبارة عن هدم جماعي للمنازل… لم نعد نجد مبانٍ نقيم فيها، لقد دمرنا كل شيء». اعتراف لا يترك مجالًا للشك في أن ما يجري في غزة اليوم هو تطهير عمراني شامل، يتجاوز المفهوم التقليدي للهدم في الحروب، ويستهدف الحيّز المدني الفلسطيني كعنصر مقاومة بحد ذاته.
وإذا كان العالم لا يزال يحصي الأرقام، فها هي الأرقام تتحدث:
📍 وحدات سكنية مدمرة:
≈ 223,000 وحدة دمرت كلياً
≈ 134,000 وحدة غير صالحة للسكن
≈ 212,000 وحدة تضررت جزئياً
≈ 288,000 أسرة بلا مأوى
أكثر من 2 مليون نازح قسري
117,000 خيمة اهترأت من أصل 135,000
261 مركز إيواء تم استهدافه
📍 المدن المدمَّرة:
رفح: 89% من مبانيها أصبحت ركامًا
بيت حانون: محيت من الوجود
غزة: 78% من منشآتها دمرت كلياً أو جزئياً
خانيونس: مدينة منكوبة بالكامل
شرق القطاع: من الشجاعية إلى دير البلح.. مشهد يوازي ما بعد الزلازل، لكنه بفعل فاعل
📍 البنية التحتية والرمزية:
156 مؤسسة تعليمية مدمّرة كليًا
382 مؤسسة تعليمية تضررت جزئيًا
833 مسجدًا دمر كليًا
178 مسجدًا جزئيًا
3 كنائس استُهدفت مراراً
40 مقبرة دُمرت من أصل 60
إنه محو ممنهج للذاكرة، للرمز، وللجغرافيا. لم يعد الهدف فقط تهجير السكان، بل حرمانهم من أي أثر يدل على وجودهم، من المأوى إلى المقبرة، ومن المدرسة إلى دار العبادة.
ومع كل ذلك، يقف العالم موقف المتفرج. عبارات «القلق» التي ترد من العواصم الغربية، وتصريحات «المناشدة» من المؤسسات الدولية، لا تغيّر شيئًا أمام مشهد أكبر جريمة تدمير حضري في العصر الحديث تُنفَّذ على مرأى الجميع، وبموافقة ضمنية من القوى الكبرى.
ومع ذلك، غزة لا تنهار. المدينة التي تُسوى بالأرض، تعيد بناء نفسها في ذاكرة من تبقّى فيها. البيت في غزة لا يُبنى بالحجر فقط، بل بالانتماء والذاكرة والعناد. وكل ركامٍ جديد، هو شهادة على عنف الاحتلال، ودليل على أن الحياة في هذه الأرض لا تُقهر مهما اشتدت المجازر.
الكلمات المفتاحية: تدمير, السقف على الأرض, صوت الوطن, الابادة, وسام زغبر.