مخيم الرشيدية (لبنان)– إذاعة صوت الوطن
كتبت الصحفية وفاء درباس – لاجئة فلسطينية من مخيم الرشيدية (من سلسلة: “نحن نكبر خلف الجدران”)
في كل صباح، حين تُفتح أبواب البيوت في المخيم، لا تدخل الشمس وحدها… بل يخرج معها التعب، متسللًا من شقوق الجدران.
في الأزقة الضيقة، تنبعث رائحة الرطوبة، تختلط ببخار قهوة تغلي فوق موقد في مطبخ لا يتّسع حتى لخطوة. ومع أول نفس من هذا الهواء الممزوج بالتعب، يبدأ يوم جديد… يشبه الأمس.
خالد، شاب في السادسة والعشرين، يسير بين الحارات كأنها تحفظ صدى خطواته.
أنهى دراسة المحاسبة بتفوق، بشهادة “امتياز” كتبها بأحلامه، لكن شهادته، كآلاف الشهادات الأخرى، ما زالت معلّقة على الجدار. لا وظيفة، لا فرصة، لا اعتراف.
يسأله الناس: “أين تعمل؟”
فيضحك قليلاً، ثم يجيب بصوت يتهدج:
“أعمل على ألا أفقد عقلي.”
طرق أبوابًا كثيرة، واحدًا تلو الآخر، لكنه ظل محرومًا من طرق الباب الأهم:
باب الاعتراف.
الاعتراف، لا بمهاراته أو تحصيله العلمي، بل بوجوده نفسه… بكونه إنسانًا يستحق الحياة.
في المخيم، شباب يحفظون القوانين، والمعادلات، والتواريخ، عن ظهر قلب، لكنهم محرومون من تطبيقها.
واحد يعمل في بقالة، آخر في ورشة، وثالث يقضي الليل خلف شاشة، يحاول أن “يعيش عن بُعد”… عن وطن وعن حياة حقيقية.
تقول أم خالد، بصوت مثقل بالخذلان:
“درّست أولادي ليصنعوا مستقبلًا، لكن كلما مرّ يوم، أشعر أنني أعددتهم للخيبة.”
في مخيمات لبنان، نولد وفي أفواهنا أسئلة لا تجد من يجيبها:
لماذا لا نملك ما يملكه غيرنا؟
لماذا تذبل شهاداتنا على الجدران؟
لماذا يُمنع حلمنا من التنفس خارج الخيمة؟
ولماذا نُعامل كأننا عابرون مؤقتون في رواية لا نهاية لها؟
أن تولد لاجئًا، يعني أن تتعلم النجاة اليومية.
أن تُتقن الصبر، والانتظار، والتأقلم مع القهر كأنك اخترته.
أن تحاول أن تكون “عاديًا” في بيئة ترفضك حتى في أبسط حقوقك.
ومع كل هذا، لا يزال الأمل يطرق الأبواب.
ولا يزال خالد يستيقظ باكرًا، يرتب أوراقه، يلمّع حذاءه، يضبط ملامحه، ويحلم…
يحلم، فقط، بأن يُعترف به.
الكلمات المفتاحية: غزة, الإنسان, اللاجئين, عين الحلوة, فلسطين, بيروت, مخيمات, مخيمات النزوح, الرشيديه, عاصمة الشتات, معانات, في الشتات.