غزة- إذاعة صوت الوطن
أشار الكاتب السياسي الفلسطيني مهند نصّار إلى سباق الدول نحو التسلح العالمي، وهذا نص المقال:
في مشهد يُعيد إلى الأذهان أجواء ثلاثينيات القرن الماضي، يشهد العالم سباقًا محمومًا نحو التسلح، ينذر بإعادة إنتاج الظروف التي سبقت اندلاع الحرب العالمية الثانية. فالتضخم في الإنفاق العسكري، وتشكيل التحالفات المتصارعة، وتفاقم الأزمات الاقتصادية، تضع العالم أمام مشهد دولي شديد الهشاشة.
إنفاق قياسي… واستعداد لحرب كبرى
في عام 2024، بلغ الإنفاق العسكري العالمي نحو 2.7 تريليون دولار، وهو الأعلى منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. وتشير التقديرات إلى إمكانية تجاوز هذا الرقم 3 تريليونات دولار خلال عام 2025. ولا تعكس هذه الأرقام مجرد تعزيز للدفاع، بل تكشف عن استعداد استراتيجي لمواجهة عسكرية كبرى تلوح في الأفق.
من “الدفاع” إلى الهوس الأمني
تشهد سياسات التسلح العالمي تحولات متسارعة. فقد أعلن حلف الناتو عن خطة لرفع موازناته الدفاعية إلى 5% من الناتج المحلي للدول الأعضاء بحلول 2035. وفي الولايات المتحدة، بلغت الميزانية العسكرية نحو 850 مليار دولار، أي 3.5% من ناتجها المحلي، مع نية لزيادتها. أما الصين، فقد رفعت إنفاقها الدفاعي بنسبة 7.2% ليصل إلى 245 مليار دولار.
هذه المؤشرات لا تعكس فقط تصاعد القلق الأمني، بل تؤكد أيضًا الدخول في مرحلة جديدة من التنافس بين القوى الكبرى، وسط نظام دولي هش وتوازنات متغيرة.
الحروب الجديدة… والتكنولوجيا الحاسمة
الحرب الروسية على أوكرانيا شكّلت ساحة لتجريب تقنيات قتالية جديدة، كالمسيّرات، والذكاء الاصطناعي، والهجمات السيبرانية. أما الحرب الإسرائيلية على إيران، فأظهرت الحاجة إلى دفاعات جوية متطورة وصواريخ باليستية دقيقة ضمن نمط “الضربة الخاطفة”.
لم تعد الجيوش تقاس بعدد الجنود والدبابات، بل بمدى تفوقها التكنولوجي وسرعة استجابتها في الحروب الهجينة، مما جعل شركات الصناعات العسكرية والتكنولوجيا من أبرز المستفيدين في هذا المشهد الملتهب.
تكلفة اجتماعية واقتصادية باهظة
يدفع المواطن العادي ثمن هذا السباق نحو التسلح، إذ تُقتطع ميزانيات ضخمة من الصحة والتعليم والخدمات لصالح العسكرة. ففي ظل أزمات اقتصادية متفاقمة، ترتفع معدلات التضخم وتتراجع قدرات الدولة على حماية الفئات الهشة.
في روسيا، على سبيل المثال، بات نحو 60% من الناتج المحلي مرتبطًا بالصناعات العسكرية، ما يجعل النمو الاقتصادي هشًا، ويحوّل الإنتاج إلى دورة دمار متكررة.
بيئة خصبة للتطرف والفوضى
في أوروبا، يتزامن الانكماش الاقتصادي مع صعود حاد لليمين المتطرف، مستغلًا قضايا الهجرة والمعيشة لتوسيع نفوذه. وفي الساحة الدولية، يتزايد التوتر بين الولايات المتحدة والصين، وروسيا والناتو، مما يجعل الانزلاق إلى مواجهة مفتوحة مسألة وقت أو خطأ حسابي.
التاريخ يعيد نفسه… ولكن بأسلحة أشد فتكًا
الظروف الحالية تشبه مقدمات الحرب العالمية الثانية: تسلح مفرط، تحالفات متشابكة، أزمات اقتصادية وصعود قوميات متطرفة. غير أن الاختلاف الجوهري هو فتك أدوات الحرب المعاصرة، من المسيّرات والذكاء الاصطناعي إلى الحروب السيبرانية، ما يجعل احتمالات الدمار الشامل أكثر واقعية وخطورة.
نحو مفهوم جديد للأمن
العالم اليوم على مفترق طرق: فإما الاستمرار في سباق تسلح يستهلك مقدرات الشعوب ويقود نحو صدام شامل، أو إعادة تعريف الأمن ليشمل العدالة الاجتماعية، والتنمية المستدامة، والكرامة الإنسانية.
إن الأمن الحقيقي لا يتحقق بالدبابات والصواريخ فقط، بل بتوفير الغذاء والتعليم والرعاية الصحية. ويبقى السؤال الحاسم معلقًا:
هل نسير نحو عالم أكثر أمانًا… أم نخطو بثبات نحو حرب لا نجاة منها؟
الكلمات المفتاحية: الحرب الكبرى, التسلح, غزة.