غزة- إذاعة صوت الوطن
كتب وسام زغبر عضو الأمانة العامة لنقابة الصحفيين الفلسطينيين، مقالاً ساخراً عن السياسة الأميركية في العالم، متهكما من الديمقراطية الأميركية على الطريقة الصفراء على مرآة عائلة سيمبسون، وهذا نص المقال:
ماذا لو كانت الديمقراطية سلعة؟ وماذا لو تحوّلت السياسة إلى مشهد كرتوني؟
منذ أكثر من ثلاثة عقود، تُعرض علينا نسخة هجينة من أمريكا، عبر عائلة صفراء تقطن مدينة خيالية تُدعى “سبرينغفيلد”.
لكن “عائلة سيمبسون”، المسلسل الكوميدي الشهير، لم يكن يومًا مجرد وسيلة ترفيه، بل نافذة نقدية لاذعة تسلّط الضوء على تناقضات الديمقراطية الأمريكية.
فخلف الفكاهة والرسوم المتحركة، يختبئ خطاب سياسي ساخر، عميق، ومرير، يرسم ملامح أمة تُحكم بالدعاية وتُدار بالفوضى المنظمة.
—
المواطن الأميركي كما تتخيله السلطة: هومر سيمبسون نموذجًا
“هومر سيمبسون” ليس مجرد أب كسول وساذج، بل صورة كاريكاتورية للمواطن الأمريكي كما تحبّ السلطة أن تراه:
رجل بسيط، يعمل في محطة نووية لا يفهم طبيعة عمله، يصوّت مقابل قطعة دونات، ويقضي يومه بين التلفاز والبيرة.
هومر ليس شريرًا، بل جاهلًا ومُنهكًا من السياسة، يكرّر شعارات لا يعي معناها. إنه النموذج المثالي لـ”ديمقراطية الاستهلاك”، حيث يُدجّن الفرد بالإعلانات ويُدفع للصندوق الانتخابي بلا وعي أو مساءلة.
—
صوت المثقفين المعزول: ليزا سيمبسون
في الطرف المقابل، تقف “ليزا” الطفلة العبقرية، المدافعة عن البيئة، والمساواة، والعدالة.
تمثل ليزا النخبة التقدّمية، صوت الضمير، وصورة المثقف المهمَّش. تعرف الطريق لكنها تُقابل بالتجاهل، تسأل فلا تسمع سوى صدى عقلها في عالمٍ تسوده الرداءة.
هي المثقفة الوحيدة في مدينة ترفض الإصغاء، وتفضل أن تضحك بدل أن تفكّر.
—
بين التمرد والعبث: بارت سيمبسون
“بارت”، الفتى المتمرّد، يسخر من الجميع لكنه لا يقترح بديلًا. شعاراته لحظية، تمرّده بلا أفق، ونكاته تنتهي بمجرد انتهاء الحلقة.
إنه ابن الجيل الرقمي، المحتجّ دومًا، لكنه بلا فعل حقيقي. يستهزئ من السلطة، لكنه لا يتحدى النظام.
بارت هو مرآة جيل يعيش بين الحماسة العابرة واللامبالاة المزمنة.
—
السياسي الذي نعرفه جيدًا: العمدة كويمبي
يتحدث بلهجة تُحاكي “آل كينيدي”، يوزع الوعود كما يوزع الابتسامات، ويعيد انتخاب نفسه رغم فضائحه المتكررة.
“العمدة كويمبي” هو نموذج السياسي الأمريكي – بل العالمي – الذي ينجو دومًا من المحاسبة بفضل براعة التسويق ومهارات الإلهاء الجماهيري.
فساده مكشوف، لكنه شعبوي بما يكفي ليبقى في السلطة، لأن الناس تعودوا على الكارثة إن أتقنت التمثيل.
—
سبرينغفيلد… الدولة التي لا تنهار لأنها لم تُبنَ أصلًا
مدينة “سبرينغفيلد” هي أمريكا مصغّرة، لا تحكمها القوانين بل الفوضى الممنهجة:
الشرطة فاسدة، النظام التعليمي متداعٍ، الإعلام تهريجي، والمواطن بلا تمثيل حقيقي.
ومع ذلك، لا تنهار المدينة. بل تستمر، لأن الاستمرار هنا لا يحتاج إلى عدالة، بل فقط إلى إلهاء جماهيري.
إنها دولة الكرتون، حيث تنهار المؤسسات ويبقى العرض مستمرًا.
—
ما بين الكوميديا والنبوءة السياسية
لم يكن مسلسل “عائلة سيمبسون” مجرّد سخرية، بل نبوءة سوداء.
تنبّأ بانتخاب دونالد ترامب، بانتشار الفيروسات، وباستحواذ الشركات الكبرى على الإعلام.
لكن الحقيقة أنه لم يُنزل الوحي، بل قرأ الحاضر بذكاء، وفضح تناقضاته قبل أن تنفجر.
فما نضحك عليه اليوم، نعيشه غدًا، كأن الكوميديا كانت مجرد مقدمة للمأساة.
—
جمهورية الدونات… عندما تسقط الديمقراطية في فخّها
ليست “عائلة سيمبسون” مجرد كرتون، بل شهادة مريرة على زمن تُختزل فيه الديمقراطية إلى مشهد انتخابي شكلي، والمواطن إلى مستهلك، والمثقف إلى ديكور غير مرغوب فيه.
في عالم “سيمبسون”، تُستخدم الحرية لتكريس الجهل، ويُستبدل الوعي بالإعلانات، ويُمارس التصويت كتقليد لا كموقف.
إنها ليست ديمقراطية، بل كوميديا صفراء تسخر من كل ما تدّعيه النُظم الليبرالية.
إنها جمهورية الدونات، التي تُضحك نفسها… كي لا تبكي.
الكلمات المفتاحية: غزة, وسام زغبر, نقابة الصحفيين الفلسطينيين, السياسة الأميركية, عائلة سيمبسون.