غزة – إذاعة صوت الوطن | تقرير: شيماء ناصر الدرة
يعيش سكان قطاع غزة معاناة يومية متفاقمة بسبب أزمة تهالك العملات الورقية، في ظل رفض التجار قبولها، وغياب بنية مصرفية قادرة على استبدالها، ما يزيد العبء على كاهل المواطنين الذين يكافحون لتأمين لقمة العيش في ظل حرب متواصلة وحصار اقتصادي خانق.
ويُعد تآكل العملات الورقية، خاصة الشيكل الإسرائيلي، أحد تداعيات الحرب المتواصلة على غزة منذ أكتوبر 2023، حيث يمنع الاحتلال الإسرائيلي إدخال عملات جديدة أو استبدال التالفة، رغم أن بروتوكول سلطة النقد الفلسطينية ينصّ على مسؤولية البنك المركزي الإسرائيلي عن عملية الاستبدال. وقد أدى ذلك إلى خسارة تقدر بنحو 180 مليون دولار من الودائع المصرفية، وسط اختفاء شبه تام للسيولة النقدية الجديدة من الأسواق.
أوراق بلا قيمة
في أحد أسواق غزة، يحاول المواطن أيمن حسين، وهو أب لثلاثة أطفال، شراء خضروات بورقة نقدية من فئة 20 شيكلاً، لكن البائع يرفضها بسبب حالتها المهترئة. يقول حسين: “خمسة باعة رفضوا قبول الورقة، أحدهم قال لي: هذه الورقة ميتة، لا تُطعمك ولا تُطعم غيرك”.
أما محمد أبو عودة، وهو رجل خمسيني، فقد اضطر للعودة إلى منزله خالي الوفاض بعد أن رفض الباعة ورقته من فئة 100 شيكل بسبب تمزقها. يقول بأسى: “كنا في السابق نستبدل الأوراق التالفة، أما الآن فلا خيار سوى قبول ما يُعطى مهما كانت حالته”.
ترميم يدوي… وحلول بدائية
وفي ظل تفاقم الأزمة، ظهرت مهنة جديدة وغير مألوفة في أسواق غزة: “ترميم العملات الورقية”، حيث يقوم بعض الأفراد بإصلاح الأوراق التالفة باستخدام الشريط اللاصق والغراء مقابل عمولة بسيطة تتراوح بين 2 إلى 5 شواقل.
ويقول عبدو أبو علوان، أحد العاملين في هذا المجال: “نحاول جعل الورقة قابلة للاستخدام في البسطات والأسواق، رغم معرفتنا بأنها لم تعد ذات قيمة حقيقية”.

التحول الرقمي لا يحل الأزمة
مع إغلاق البنوك ونفاد السيولة من أجهزة الصراف الآلي، اضطر كثير من الغزيين إلى استخدام التطبيقات البنكية للدفع الرقمي، لكنه حل لم يكن كافياً. فأسعار السلع بالدفع الإلكتروني تفوق مثيلاتها بالنقد، بينما يعمد بعض التجار إلى بيع السيولة في السوق السوداء بعمولة تصل إلى 50% من المبلغ، ما يضيف طبقة جديدة من الاستغلال على واقع اقتصادي هش.

تحذيرات من انهيار نقدي
ويحذر الباحث الاقتصادي محمد أبو جياب من أن استمرار التعامل بالأوراق المهترئة دون آلية رسمية للاستبدال، يدفع المواطنين إلى حلول بدائية تشكل مؤشراً خطيراً على انهيار المنظومة النقدية. ويؤكد أن “دور البنوك لا يزال هامشياً، ويتطلب تدخلاً فورياً من سلطة النقد والمؤسسات المالية لضخ السيولة ودعم آليات استبدال العملة، إلى جانب فرض رقابة على التعاملات الإلكترونية لضمان العدالة ومنع الاحتكار”.
وكان اقتصاد غزة قد انكمش بنسبة 82.5% خلال العام الماضي، وسط ارتفاع معدلات الفقر والبطالة، وزيادة الأسعار بنسبة 53.67%، ما حول حياة السكان إلى معاناة إنسانية يومية في ظل تآكل قدرتهم على تلبية احتياجاتهم الأساسية.

الكلمات المفتاحية: غزة, الاقتصاد, الصراف الآلي, العملة التالفة, العملة المهترئة.