غزة – إذاعة صوت الوطن | تقرير: حنين الجاجة
لم يكن أحد يتخيّل أن بركة الشيخ رضوان، المخصّصة لتجميع مياه الصرف الصحي، ستتحوّل يومًا إلى ساحة نجاة لآلاف العائلات. المكان الذي لطالما اقترن في أذهان الغزيين بالروائح الثقيلة ومخاوف التلوّث، أصبح اليوم مزدحمًا بالخيام، والأجساد، والقصص التي لم يعد لها مأوى.
بعد أشهر من الحرب والنزوح القسري من شمال غزة وشرقها، باتت المناطق الغربية أكثر اكتظاظًا من قدرتها على الاحتمال. ومع امتلاء المدارس ومراكز الإيواء، لجأ النازحون إلى أي مساحة فارغة… حتى وإن كانت على حواف بركة مياه الصرف.
عشرات الخيام نُصبت حول بركة الشيخ رضوان. بعضها مغطّى ببلاستيك ممزق، وبعضها الآخر لا يحمي من حرارة الشمس. الأرض إسفلتية قاسية، والروائح لا يمكن تجاهلها.
“بنعرف إنو المكان غير صالح، بس لو في خيار تاني كنا تركناه”، يقول أبو خليل، نازح من بيت لاهيا، بينما يضع حجارة حول خيمته لمنعها من الانزلاق أو الانهيار. “أنت ما بتختارش وين تنزح، أنت بس بتحاول تظل حيّ”.
بركة الشيخ رضوان ليست مجرد اسم. إنها بركة صرف صحي لا تزال تعمل جزئيًا، تفيض أحيانًا وتملأ الجو بروائح خانقة. حولها اليوم أطفال يركضون حفاة، ونساء يحملن دلاء مياه، ورجال يحاولون الحفاظ على خصوصية لا تمنحها الخيام الرقيقة.
“هاي مش خيمة، هذا شادر على شكل حياة”، تقول أم أحمد، وهي تحاول ترتيب أغطية نوم فوق أرضية رطبة.
الظروف الصحية مقلقة: لا مراحيض كافية، ولا تصريف، ولا مياه نظيفة ثابتة. ومع حرارة الشمس، تتحول الروائح إلى عبء إضافي.
“الولد مرض من الريحة”، تقول سيدة خمسينية، وهي تشير إلى طفلها الذي يعاني من السعال والإسهال. “الدكتور قال ما في علاج، بس لازم نغيّر المكان. والمكان مش بإيدينا”.
الجهات الإغاثية تصل أحيانًا، لكنها لا تكفي. الخيام حول البركة لا تظهر على خرائط المساعدات بوضوح.
“مش معترف فيها كمركز نزوح”، قال أحد المتطوعين المحليين. “بس الناس موجودة، وكل يوم العدد بيزيد”.
الخوف الأكبر ليس فقط من المرض أو الجوع، بل من النسيان. أن تصبح الخيمة عند البركة مشهدًا عاديًا، لا يثير سؤالًا ولا استعجالًا.
ورغم كل هذا، لا يطالب أحد هنا بأكثر من الأساسيات: سقف حقيقي، حمام نظيف، ماء بارد، ووجبة تحترم الجوع.
لم تعد الأحاديث تدور حول عودة النازحين أو نهاية الحرب، بل عن الليلة القادمة: هل سيكون الطفل دافئًا؟ هل ستصمد الخيمة أمام حرارة الشمس؟
في الليل، تسكن الخيام، لكن لا أحد ينام مطمئنًا. بالقرب من البركة، في مدينة خانها العالم، يقاوم النازحون بأساليب بدائية… يخبّئون الألم، ويتقاسمون القلق، ويعدّون الأيام لا بحثًا عن نهاية، بل كي لا يضيع العدّ.
في بركة الشيخ رضوان، لم تعد المياه وحدها راكدة. الواقع كله عالق… في طين النزوح، وروائح القهر، وخيمة لا تقاوم شيئًا سوى النسيان.
الكلمات المفتاحية: غزة, إذاعة صوت الوطن, خيام النازحين, حنين الجاجة, بركة الشيخ رضوان, الصرف الصحي, المجاري.