علّقت كارين تومتلي في صحيفة “واشنطن بوست” على خطاب الرئيس دونالد ترامب أمام جلسة مشتركة للكونغرس، ليلة الثلاثاء، واستعرض، في اليوم الأكثر شؤمًا في ولايته الثانية، مهاراته أمام الكونغرس، وخلق وهمًا يتعارض مع الواقع المثير للقلق.
فمن الناحية الفنية، لم يكن هذا خطاب حالة الاتحاد، لكن الخطاب الذي استغرق 100 دقيقة كانت له نفس الفخامة المرتبطة به، حيث اجتمع أعضاء مجلس النواب ومجلس الشيوخ والمحكمة العليا في قاعة مجلس النواب، ووقف المؤيدون على أقدامهم للتهليل.
وأعلن ترامب: “لقد عاد زخم أمريكا، لقد عادت روحنا، وعاد فخرنا، وعادت ثقتنا، والحلم الأمريكي يزدهر بشكل أكبر وأفضل من أي وقت مضى”.
وعلّقت تومتلي أن هذا زعمٌ كبير، وبخاصة أن ترامب لم يكمل المئة الأولى من حكمه، بل ولا يزال في منتصفها، وما حقّقه في الغالب اضطرابات، وعاصفة من الدعاوى القانونية المتحدية له.
الحزب المعارض بات مجرد أفراد يحملون لافتات احتجاجية وتحذيرية، كتلك التي يحملها منظمو حركة السير عند المدارس الابتدائية. وارتدت النائبات الديمقراطيات اللون الزهري، المضاد للون القوة، ولإظهار أن سياسات ترامب تضرّ بالمرأة
وفي يوم الثلاثاء، انخفض مؤشر داو جونز للصناعة بمستوى 670 نقطة، بعد قرار ترامب فرض تعرفات جمركية قاسية على كندا والمكسيك والصين.
وفي غضون يومين فقط، محا السوق الأوسع كلّ المكاسب التي حققها منذ الانتخابات. وأعلنت الدول الثلاث المستهدفة عن تعرفات جمركية انتقامية، ما يعني أن الحرب التجارية في الطريق، وقد تؤدي بشكل محتمل لزيادة التضخم ولحرب اقتصادية عالمية.
وسيكون المتأثر بهذا الفعل الاقتصادي والتخريب السياسي الطبقة العاملة الأمريكية، التي منحت أصواتها لترامب، لاعتقادها بأنه سيبني اقتصادًا قويًا ويخفض التضخم.
وأشارت لتصريحات رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو معلقًا على فرض ترامب تعرفة جمركية بنسبة 25% على بلاده: “مع أنك رجل ذكي جدًا، فهذا أغبى شيء تفعله”. والحقيقة أن هذا الشعور يشترك فيه الكثير من الجمهوريين، بمن فيهم حلفاء ترامب المقرّبون.
وقد كان من المأمول أن تكون تصريحات الرئيس المتكررة عن حبه للرسوم الجمركية، “الكلمة الأكثر جمالًا في القاموس”، على حد تعبيره، مجرد تكتيك تفاوضي قاسٍ من صانع صفقات ماهر.
ومن ناحية أخرى، اقترح ترامب أن أي ألم قد تنتجه رسومه الجمركية لن يكون أكثر من “فترة تعديل بسيطة” و”اضطراب بسيط، لكننا بخير مع ذلك ولن يكون الأمر كبيرًا”.
وفي ولايته الثانية، استخدم ترامب الأوامر التنفيذية بشكل قاسٍ، ودفع أبعد من الحدود الدستورية لفصل السلطات، وأكثر من أي رئيس قبله. ولكنه وصل إلى نقطة أصبح فيها بحاجة للكونغرس لمساعدته على تحقيق أجزاء من أجندته. وفقط الفرع التشريعي هو القادر على جعل التخفيضات الضريبية لعام 2017 دائمة، وبخاصة أن سريان مفعولها سينتهي بنهاية العام الحالي.
وسيحتاج الجمهوريون أيضًا إلى حفنة من الديمقراطيين لدعمهم في تصويتين وشيكين: إبقاء الحكومة مفتوحة بعد الموعد النهائي في 14 آذار/مارس، عندما ينفد تمويلها الحالي، ورفع سقف الدين للحفاظ على قدرة الولايات المتحدة على الوفاء بالتزاماتها، وهي النقطة التي من المتوقع أن تأتي في وقت مبكر من شهر حزيران/يونيو. في كلتا المسألتين، من المؤكد أن بضعة أعضاء على الأقل من الأغلبية الهزيلة للحزب الجمهوري في مجلس النواب سوف ينسحبون، ويفتقر الحزب إلى الأصوات الستين اللازمة في مجلس الشيوخ للتغلب على عرقلة التشريع.
ولكن بدلًا من التواصل مع الديمقراطيين، وبّخهم ترامب وهددهم، وقال لهم: “لماذا لا تنضموا إلينا، في هذه الليلة فقط، للاحتفال بالعديد من الانتصارات الرائعة لأمريكا، ولصالح أمتنا؟”.
وحاول الديمقراطيون وضع جانب إنساني على أفعال ترامب من خلال دعوة العمال الفيدراليين كضيوف عليهم في قاعة مجلس النواب. وكان في نفس القاعة الملياردير إيلون ماسك، الذي قامت وكالته غير الرسمية بهندسة عمليات الطرد الجماعي.
وانخفض الحزب المعارض إلى مجرد أفراد يحملون لافتات احتجاجية وتحذيرية، كتلك التي يحملها منظمو حركة السير عند المدارس الابتدائية. وارتدت النائبات الديمقراطيات اللون الزهري، المضاد للون القوة، ولإظهار أن سياسات ترامب تضرّ بالمرأة الأمريكية،
كما وقف النائب الديمقراطي عن ولاية تكساس أل غرين وهو يلوّح بعصاه ويصرخ “أنت بلا تفويض”، قبل أن يقاد من قاعة المجلس.
وأضفى ترامب لمسة إنسانية عندما قام مدير الخدمات السرية الجديد، شون كوران، بتسليم شارة الوكالة لطفل مصاب بسرطان الدماغ ويحلم بأن يكون، شرطيًا.
وفي خطابه، كرر ترامب تعهداته باستعادة قناة بنما، والاستحواذ على غرينلاند “بطريقة أو بأخرى”.
لكن ما لم يحظ باهتمام كبير في الخطاب مدى تفكيك ترامب للنظام العالمي الذي بنته الولايات المتحدة نفسها على مدى ثلاثة أرباع قرن من الزمان، من خلال المشاركة العالمية والتحالفات المتعددة الجنسيات.
لكنه زعم أن المفاوضات لإنهاء الحرب الدموية في أوكرانيا عادت إلى مسارها الصحيح، بعد انفجاره، الأسبوع الماضي، خلال اجتماعه مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في المكتب البيضاوي. وباعتباره تمرينًا على واقع منمق، كان الخطاب بمثابة علامة تجارية لترامب. أما ما إذا كان الأمريكيون سيصدقونه فهو سؤال آخر تمامًا.
وفي مقال نشرته صحيفة “فايننشال تايمز” لإدوارد لوس بعنوان “خطاب دونالد ترامب الخيالي”، وردَ أن خطابه أمام الكونغرس، كان مشخصنًا بدرجة بحتة، وخاليًا من الأيديولوجيا. وقال إنه سيكون من العبث مقارنة خطاب ترامب بخطابات أخرى لأسلافه، بما فيها الخطاب الذي ألقاه في ولايته الأولى، فهذا الخطاب “يقع في فئة خاصة به”، وكان الأطول بأميال في التاريخ الحديث لأمريكا.
وكان خطاب ترامب هو حلم محموم بالوعود الباهظة. فتعهده بتغطية أمريكا بـ”قبة ذهبية”، على غرار “القبة الحديدية” الإسرائيلية، من شأنه أن يستنفد كل سبائك الذهب في فورت نوكس. وقبل بضع دقائق، وعد ترامب بموازنة الميزانية الفيدرالية. فهل كان تعهده بالاستيلاء على غرينلاند “بطريقة أو بأخرى” تهديدًا أم خيالًا؟ وينطبق نفس الشيء على قناة بنما.
أعلن المستشار الألماني الجديد عن هدفه المتمثّل بإلغاء نظام كبح الديون المقدس في البلاد من أجل إعادة تسليح ألمانيا. وهذا الإعلان، وليس القباب الذهبية، أو غرس النجوم والأشرطة على سطح المريخ، هو ما يجب نأخذه على محمل الجد
وفي الماضي كان الرؤساء الأمريكيون يتظاهرون على الأقل بمحاولة إيجاد أرضية مشتركة. لكن خطاب ترامب ذهب في الاتجاه المعاكس، فقد كان جو بايدن أسوأ رئيس على الإطلاق. وقد أنقذ الله ترامب من رصاصة القاتل لجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى. وكانت جميع الدول الأخرى، سواء كانت صديقة أو عدوة، تنهب أمريكا إلى أجل غير مسمى. كما أن روبرت إف كينيدي جونيور، وزير الصحة والخدمات الإنسانية الجديد ومنكر اللقاحات، سيحل وباء التوحد في أمريكا. ولم يحقق أي رئيس في تاريخ الولايات المتحدة أكثر مما حققه ترامب في أول 43 يومًا من ولايته. وهكذا دواليك.
ولم يحاول ترامب الإشارة إلى وجود حزبين في القاعة، حاكم ومعارض. ولاحظ الكاتب أن ترامب حذف أمرين جديرين بالملاحظة، الأول، هو تجنب ترامب الحديث عن قائمة من التشريعات التي يريد من الكونغرس تمريرها، فعادة ما يضع الرؤساء قائمة بمشاريع القوانين ذات الأولوية، وخاصة في خطابهم الأول. ورغم أن ترامب كان يتحدث إلى الكونغرس، فإن الفرع الأول من فروع الحكومة الأمريكية بدا غير مهم.
ولعل الإشادة الكبيرة من جانب ترامب لإيلون ماسك، الذي ينشغل بالاستيلاء على سلطات الكونغرس، على الرغم من عدم توليه أي منصب رسمي، دليل على هذا.
أما الأمر الثاني، فهو انقسام الكونغرس بين الجمهوريين، الذين لم يكفّوا عن التصفيق والتهليل والوقوف على أقدامهم، والديمقراطيين الذين جلسوا صامتين واجمين، فيما أطلق بعضهم صيحات استهجان، وغادر آخرون القاعة، كتعبير عن الاحتجاج، وقبل أن ينهي ترامب خطابه بوقت طويل.
وكان أطول قسم في الخطاب مخصصًا لما أسماه ترامب آفة المهاجرين غير الشرعيين. وإذا كان هذا يقدم أي مؤشرات، فإن حملة ترحيل ترامب تبدو على وشك التصعيد قريبًا.
ويقول لوس إن أي شخص يحاول البحث عن محتوى فلسفي يجمع طيات الخطاب لن يجد أي شيء فيه. ومن الصعب تصنيفه كخطاب تقليدي، والواقع أن النسخة المختصرة منه تقول إن أمريكا دخلت عصرًا ذهبيًا جديدًا لأن ترامب عاد إلى السلطة.
ولم يكن المحتوى ليبراليًا ولا محافظًا تقليديًا، أو حتى قوميًا تقليديًا، بل كان تعبيرًا عن شخصنة ترامبية خالصة. وعلى هذا فإن احتمالات تذكره باعتباره مشهدًا استعراضيًا أكثر مما ورد فيه من مضمون عالية.
والواقع أن المؤرخين عندما ينظرون إلى 4 آذار/مارس 2025 قد لا يجدون في خطابه ما يستحق الذكر. ففي الطرف الآخر من المحيط الأطلنطي، أعلن المستشار الألماني الجديد فريدريش ميرتس، يوم الثلاثاء، عن هدفه المتمثّل في إلغاء نظام كبح الديون المقدس في البلاد من أجل إعادة تسليح ألمانيا. وهذا الإعلان، وليس القباب الذهبية، أو غرس النجوم والأشرطة على سطح المريخ، هو ما يجب نأخذه على محمل الجد.
الكلمات المفتاحية: #إسرائيل #قطاع غزة #غلاف غزة #الاحتلال الإسرائيلي #الأحوال الجوية #قتلى الاحتلال #قتلى وإصابات #المنخفض الجوي #قتلى الجيش #خسائر الاحتلال #انهيار رافعة, امريكا.