ألقى الأمين العام للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، فهد سليمان، كلمة في الذكرى الـ 56 لتأسيس الجبهة، شدد فيها على مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، واستعادة الوحدة الوطنية، وأكد ضرورة تعزيز صمود الشعب الفلسطيني.
وفيما يلي نص الكلمة كاملة:
رفيقاتي ورفاقي في الجبهة الديمقراطية،
يا أبناء شعبنا في كل مكان؛
(1)
■ نستقبل معاً شمس الذكرى الـ 56
لتأسيس الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين،
التي نجحنا – بجهد تراكمي موصول –
تعاقبت عليه الأجيال، في أن تشكل
إضافة نوعية لعموم الحركة الوطنية،
تفتح أمامها أفقاً واعداً؛
وما كان للجبهة الديمقراطية أن تكون كذلك،
لولا قناعات شعبنا وقواه الفاعلة،
أن ما قدمته الجبهة الديمقراطية من تضحيات،
ومن فكر سياسي متجدد،
وأساليب نضالية مبتكرة،
وقدرات فعلية على رسم المواقف في اللحظات الحرجة،
بما يحمي الشعب وتراب الوطن،
والقضية الوطنية عموماً؛
ولولا ذلك، لما تقدمت الجبهة الديمقراطية
على امتداد العقود المنصرمة،
بدورها، ونفوذها وتأثيرها،
ولما تعزز بنيانها، وازداد شموخاً،
صِرحاً عظيماً في قلب الوطن،
وفي صفوف شعبنا في أقطار اللجوء وبلدان الإنتشار؛
ولولا ذلك، لما أصبحت الجبهة الديمقراطية
ركناً ركيناً في قلب الميدان بكل أشكاله الكفاحية■
(2)
■ إنطلقنا معاً، وصمدنا معاً،
إسْتُشهدَ منا قادة ومناضلون،
أُسِرَ منا قادة ومناضلون،
تحملنا شظف العيش، وما زلنا نتحمله،
لا تهزنا العواصف،
ولا تضعف إرادتنا محاولات الحصار،
فالجبهة الديمقراطية ستبقى مرفوعة الراية،
عنواناً للعنفوان والزخم الوطني
إلى أن نحقق معاً أهداف نضالنا التحرري،
ونحتفل معاً بالنصر المؤزر في فلسطين■
(3)
■ ونحن نودع عاماً مجيداً زاخراً بالتضحيات،
ونستقبل عاماً جديداً مِلؤنا الأمل والتوقعات،
عامٌ، نُقبل عليه بإرادة لا تلين،
في مواجهة المشروع الأميركي – الإسرائيلي،
في ظروف نشهد فيها تطورات كبرى
تمس أوضاع بلدان المنطقة بأسرها■
(4)
وفي هذا الإطار نخص بالذكر الحالة الفلسطينية
التي سوف تتأثر بشكل رئيسي بحدثين متزامنين:
الأول هو: إتفاق 19/1 الذي يقود من بوابة
وقف إطلاق النار في القطاع، إلى
تحرير أعداد كبيرة من الأسرى، بمن فيهم ذوو
المحكوميات العالية، وخروج الإحتلال، وإنهاء الحرب،
ورجوع السكان إلى منازلهم والشروع بإعادة الإعمار.
والثاني هو: إعلان الرئيس الأميركي عن مشروعه
بإخلاء القطاع بشكل كامل من أهله،
لإقامة منتجعات سياحية على أنقاض منازلهم■
(5)
■ ثمة من يعتقد أن إتفاق 19/1 لن يتجاوز حدود مرحلته الأولى،
قبل أن تستأنف إسرائيل مشروعها الأصلي،
في تدمير ما تبقى من عمران في غزة، وتهجير السكان،
مستقوية بأفكار ترامب، الذي،
إلى جانب ما يضمره من سوء للقطاع –
يجزم بنجاح خطة الضم للضفة،
للمضي قدماً بهذا المخطط،
مخطط «إسرائيل الكبرى».
وعلى هذا نقول:
سيجتاز إتفاق 19/1
العقبات التي سوف تزرعها إسرائيل أمامه،
حتى لو تعثر مساره،
وتم تأجيل إستحقاقاته والتنصل من بعض إلتزاماته،
لماذا؟
لأنه – أي الإتفاق – إنبنى على أساس راسخ،
ألا وهو صمود – قل نظيره –
لمقاومة فاعلة ملتحمة بالشعب،
مازالت تملك أسلحة ضغط حقيقية
تُفعّل دور الشارع الإسرائيلي،
مقاومة، جعلت كلفة الحرب بالنسبة لإسرائيل
أعلى من المكاسب التي تتوخاها من إستمرار العدوان،
وهذا ما يعززه أيضاً ويضاعف مفاعيله
تلك الإدانة الواسعة لسياسة وسلوك
العدو في بلدان الغرب بخاصة، إلى جانب التضامن
مع قضيتنا الوطنية تأييداً لأهدافها،
لم تشهده مخاضات عديدة وصعبة،
إجتازتها حركتنا الوطنية فيما مضى■
(6)
■ أما أفكار الرئيس الأميركي، لتهجير أبناء القطاع
وتوزيعهم على مصر والأردن، فنظراً لعلو سقفها
وتحديها السافر لكل ما تختزنه منظومة الشرعية
الدولية من مباديء وقوانين وقواعد سلوك؛
فإنها لم تُسدِ خدمة لمشروع الحكومة الإسرائيلية،
الملتحف بـ «خطة الجنرالات» القاضية بـ «التطهير»
السكاني والإحتلال المقيم، تمهيداً لتجدد مشروع الإستيطان؛
إن أفكار ترامب المطروحة بأسلوب الصدمة (ص)
التي تهيء للصفقة (ص)، أسلوب «الصاد الصاد»،
العائد إلى مخزون وتقاليد عمل «مطوري العقارات».
هذه الأفكار لعدوانيتها، فضلاً عن فجاجتها،
من البديهي أن تشكل تهديداً مباشراً
للأمن القومي لكل من القاهرة وعمان،
لا بل تشكل – على نحو أخص- تهديداً كيانياً للأردن.
إن هذه الأفكار لم تخدم المشروع الأصل
للإدارتين الأميركية والإسرائيلية القائم
على مخطط «الضم والترحيل»،
بل بالعكس تماماً، فقد إستفزت جماهير الأمة،
من المحيط إلى الخليج،
وإستنفرت الحكومات العربية المعنية وغيرها في المنطقة،
بمواجهة هذا المخطط الهادف إلى تخليق جغرافيا سياسيّة أخرى،
لا علاقة لها بتاريخ المنطقة، لا بل مجافية،
إن لم تكن معادية لتكوينها وثقافتها وهويتها،
حيث «ديمومة إلتصاق الشعب بالأرض
هي التي منحت الأرض هويتها،
ونفحت في الشعب روح الوطن»،
كما يؤكد – صادقاً – «إعلان الإستقلال»■
(7)
■ على خلفية ما آلت إليه الأمور
في تحشيد فلسطيني – عربي
لمواجهة مخطط «الضم والترحيل»، لا بد من
التأكيد أنه بدون إنهاء الإنقسام الفلسطيني القائم
– المؤسسي والسياسي –
لا يمكن توفير القدرة الضرورية، والقوة الكافية
لدحر المشروع المعادي بشكل حاسم ونهائي■
(8)
إن إستعادة الوحدة الداخلية بوجهة تطوير وإصلاح حقيقيين
للنظام السياسي الفلسطيني تحقيقاً لشمولية التمثيل الوطني،
وتبني رؤية وطنية جامعة،
هي التي تستنهض كل عناصر القوة على الصمود الوطني،
وتستقطب التأييد العربي والدولي.
ومما لا شك فيه أن الإلتزام بتطبيق مخرجات «حوار بكين»،
يعتبر خطوة رئيسية على طريق التقدم لإستعادة الوحدة الداخلية،
آخذين بالإعتبار الأهمية الوطنية التي ترتديها مسألتي:
تشكيل حكومة وفاق وطني،
وتفعيل الإطار القيادي الموحد لفترة مؤقتة■
(9)
■ إن إصلاح النظام السياسي،
على أسس ديمقراطية جامعة،
هو الممر الإجباري للتقدم على طريق المواجهة،
طريق الخلاص الوطني،
الأمر الذي أولته الجبهة الديمقراطية أقصى درجات الإهتمام،
بتقديمها لعديد المبادرات،
التي وإن حظيت بتأييد واسع،
إلا أنها لم تراكم عناصر القوة بعد،
الذاتية والتحالفية،
لكي تشق طريقها إلى نور الحياة■
(10)
■ عشية حرب أكتوبر 2023، كانت إسرائيل
تعيش في قلب مرحلة «الصهيونية الدينية»
الساعية لإقامة «إسرائيل الكبرى»؛
وكانت إسرائيل – في الوقت نفسه – تعتمد على جهود
الولايات المتحدة لتوسيع نطاق عملية «التطبيع»،
ما جعلهما يقفان معاً على أرضية نفس المشروع
مشروع «الضم والتطبيع»؛
غير أن هذا المشروع كان يستبطن تعارضاً مضمراً
بين أولويتين:
أولوية «التطبيع» بالنسبة لواشنطن،
الذي يفترض قبولها لفكرة الدولة الفلسطينية،
وإن كانت غير محددة المعالم؛
وأولوية «الضم» بالنسبة لتل أبيب،
حتى لو تعاكست مع توفير شروط التقدم
– ولو إلى حين – في عملية التطبيع؛
غير أن هذا التعارض بين أولويتين،
لم يظهر بشكل واضح للعيان،
لأن عملية التطبيع لم تكن قد وصلت بعد
إلى نتائج ملموسة،
فأتت حرب أكتوبر لتقطع مسارها،
أو لتجمده بالحد الأدنى■
(11)
■ الآن، وبعد أن وضعت الحرب أوزارها،
لم يعد هنالك تضارب أو تعارض مصالح
بين واشنطن وتل أبيب،
باعتبارهما يسعيان معاً،
بفكر واحد ونسق واحد، إلى «الضم والتطبيع»،
أي إلى مشروع لا يقيم تعارضاً بين مكوني:
الضم من جهة، والتطبيع من جهة أخرى؛
فـ «الضم» بات أمراً طبيعياً وسيحصل
بالنسبة لواشنطن، حيث لا فرصة
لإقامة دولة فلسطينية،
كما يقول الرئيس الأميركي ووزير خارجيته؛
أما «التطبيع»، فقد تبدلت شروطه،
وأضحى من تداعيات «التغيير» في أوضاع
الشرق الأوسط، كما تدعي إسرائيل،
ما يجعل التطبيع تعبيراً فجاً
عن نسبة القوى السائدة في الإقليم،
كما تفترضها واشنطن وتل أبيب،
وليس إنعكاساً لمصالح متبادلة،
حتى لو كانت متحيّزة لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل■
(12)
■ إن هذه القراءة أحادية الجانب
لعلاقات القوى في المنطقة،
حتى لو كانت بالنسبة للبعض
قابلة للنقاش في فترة ما،
وهذا ما لا نعتقده؛
فإنها لن تكون كذلك في الواقع العملي
أي عندما تنتقل ترتيبات
التحالف الأميركي – الإسرائيلي
إلى المساس بالأمن القومي
لبلدان رئيسية في النظام الرسمي العربي؛
ما يخلق أرضية مشتركة
تقف عليها هذه البلدان،
بهذا القدر أو ذاك من التقاطع، وبالتالي الإنسجام
مع قوى الصمود والمقاومة الفلسطينية،
وفي المنطقة عموماً.
إن ردود الفعل الأولية
على مقترحات الرئيس الأميركي
تؤكد هذا المنحى،
ومنه نستخلص أهمية التفاعل
بين المستوى الرسمي الفلسطيني
وبين الحالة التي بات النظام الرسمي العربي،
بمكوناته الرئيسية،
يقدم فيها نفسه،
ما يندرج بدوره في إطار
الدعوة إلى المواجهة الوطنية الشاملة■
(13)
■ في إطار هذه المواجهة
للمشروع الأميركي – الإسرائيلي،
نؤكد على الأهمية الفائقة للتركيز
على مهمتين متداخلتين:
الأولى هي: إستكمال «إتفاق الدوحة»،
الذي تحاول إسرائيل التملص من إلتزاماته،
ما يعني تحرير أسرانا،
وضمان الإنسحاب التام لقوات الغزو
من قطاع غزة، وعودة مواطنينا
إلى أماكن سكنهم، التي هجروا منها.
أما المهمة الثانية فتتمثل بإعادة إعمار القطاع،
بدءاً من تثبيت الأهالي في عين المكان
منذ اليوم الأول لرجوعهم إلى منازلهم المدمرة،
من خلال توفير الغذاء والماء والوقود والدواء،
ووسائل كريمة للإيواء،
والتقدم بمشاريع وطنية لإحياء
ما يمكن إحياءه من المقومات الخدمية
لاستعادة دورة الحياة■
(14)
■ كما يندرج في إطار المواجهة الوطنية الشاملة
للمشروع الأميركي – الإسرائيلي تأطير
الحالة الشعبية من خلال تفعيل القيادة
الوطنية الموحدة للإنتفاضة،
والتصدي لحرب التطهير العرقي
في الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية،
بعد أن دخلت سياسة الضم
لحكومة الإحتلال مرحلة جديدة تقوم
على تدمير المنازل والدور، لا بل الأحياء
في مدن ومخيمات شمال الضفة،
وبالمقابل، تنشيط سياسة الإستيطان
ودعم البنية التحتية التي تقوم عليها.
إن ما تشهده الضفة الغربية في هذه الأيام
هو تطور خطير، ليس من المتوقع أن يقف عند حدود ما،
بل قد يستمر ويتصاعد
– إذا وكلما إستطاع أن يجد إليه سبيلاً –
إلى أن يحقق أهدافه البعيدة،
في إعادة صياغة الهندسة السكانية في الضفة الغربية،
حيث تقع المخيمات- بوابات المدن ومعاقل المقاومة –
في قلب الإستهداف الإسرائيلي؛
إن كل هذا يلتقي مع السياسة الأميركية – الإسرائيلية
لحظر وكالة الغوث،
وفرض الحصار عليها وشل برامجها
وإفراغها من محتواها وإنهاء وظيفتها،
لإخراجها من المشهد السياسي والإجتماعي،
على طريق القضاء على حق العودة
من خلال الإطاحة بالمكانة القانونية/ السياسية
لكل من المخيم والوكالة،
اللتين يقوم عليهما حق العودة،
بانتظار الإجهاز على مكانة القرار 194،
بما هو المرتكز القانوني/ السياسي الثالث الذي
يتأسس عليه هذا الحق■
(15)
■ كما يندرج أيضاً في إطار المواجهة
الوطنية الشاملة للمشروع الأميركي – الإسرائيلي
تعزيز العلاقة وتطويرها مع القوى السياسية
والإجتماعية العربية، ومع برلماناتها وحكوماتها،
لتعزيز موقفها من «مشروع ترامب» و«مخطط الضم»؛
وكذلك العمل الجاد على تأطير وتفعيل دور
الجاليات الفلسطينية في المغتربات وتوطيد
علاقاتها مع الجاليات العربية والمسلمة،
والقوى السياسية المناصرة لحقوق شعب فلسطين،
على قاعدة إحترام قرارات الشرعية الدولية والقانون الدولي،
والقانون الإنساني الدولي؛
وفي هذا السياق ندعو إلى مواصلة التحرك
مع دولة جنوب إفريقيا والدول الشريكة
في متابعة الدعوة القضائية أمام محكمة العدل الدولية،
كما ومحكمة الجنايات الدولية،
لمقاضاة إسرائيل على جرائم الحرب،
والجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية،
التي ترتكبها بحق شعب فلسطين■
■■■
يا أبناء شعبنا العظيم
أيها المناضلون الذين جعلتم من فلسطين
قضية العالم الأولى
ونحن نودع عاماً من النضال،
حمل فيه شعبنا أحمالاً تنوء بها الجبال،
قدم فيها أغلى ما يمكن،
ونحن نتقدم الصفوف،
تحت رايات فلسطين إلى عام جديد،
منتصبي الهامات، مرفوعي الرؤوس،
ندرك جيداً حجم التضحيات والعقبات
التي تنتصب أمامنا،
والمسؤوليات التي تلقيها على عاتقنا،
فإلى الأمام على طريق الحرية والكرامة،
طريق الإستقلال والعودة
طريق القدس العاصمة الأبدية لشعبنا ودولتنا■
يا أبناء شعبنا العظيم؛
الخلود لذكرى الشهداء،
المجد لشعبنا ولمناضليه على جميع محاور النضال،
في السجون وساحات الوغى وفي الحركة الجماهيرية في الميدان
عاشت الذكرى الـ 56 لتأسيس الجبهة الديمقراطية
عاشت منظمة التحرير الفلسطينية
وعاشت فلسطين
22/2/2025
الكلمات المفتاحية: الصمود, الوحدة, غزة, المقاومة, الجبهة الديمقراطية, فهد سليمان.