إذاعة صوت الوطن/ تقرير شيماء ناصر الدرة
رغم بيوتهم التي تحولت إلى ركام، وخطط أفراحهم التى مزقتها الغارات، وقسوة النزوح وصعوباته، قرروا أن ينتزعون الفرحة من مخالب الحزن ويقيموا حفل زفاف سريع كصوت قذيقة، ليكملوا سويا دربهم وثالثهم حبهم، فمن منا يقوى على أن يشعر بالخطر فى ليلة العمر خوفاً من القصف، ولو أن الحرب كانت معلومة ومعروف مصيرها وموعد انتهائها لأجلوا أفراحهم حتى ينتهوا مما بدءوه، ولكن الحرب طالت أمدها
تشكل حفلات الزفاف على تخوم النار والدمار، سواء في مخيمات اللجوء البائسة أو مدارس الايواء أو في المدن المهدمة بالقنابل والغارات، انتصاراً للحب والحياة وتعبيرا عن الأمل في المستقبل، بحسب إفادة هيئة الأحوال المدنية إن أكثر من 2500 شخص عقدوا قرانهم في مدينة غزة وشمالها فقط خلال الشهور العشرة الأخيرة.
أول عرس في مدرسة للإيواء
رغم جنون الحرب، وواقعية الواقع .قررنا أن نعيش حبنا، لم تكتمل فرحتنا المنتظرة بسبب العدوان الإسرائيلي الذي دمر بيتنا وأحلامنا ، «لماذا علينا انتظار الظروف الأفضل التي لا يُعرف متى ستأتي؟» يجيب العريس ماجد الدرة عن دافع الموافقة على إقامة فرحه داخل مدرسة الإيواء بمخيم المغازي وسط قطاع غزة، التى نزح إليها.
يكمل ماجد لإذاعة صوت الوطن «لم أكن أتوقع أن أقيم حفل زفافي في إحدى مدارس النازحين، وقد كنا نأمل أن نحتفل بزفافنا في أفضل الأماكن في القطاع، ورسمت أحلامي بناء على ذلك، حيث كنا نستعد لتنظيم أجمل حفل زفاف، ورتبتُ غرفتي التي كنتُ أعتزم الزواج فيها، لكن الحرب دمرت كل شيء».
وعلى الرغم من الحرب، الا أنها كان فرح شعبي شارك بها كل النازحين تغنوا لنا «طالعة من صف أبوها رايحه على صف جوزها» والكثير من أغاني الفلكلور الشعبي والتراث، قدموا لنا التهاني والأمنيات بأن تنتهي الحرب ويجمعنا ببيتٍ واحدٍ أو خيمة واحدةٍ على الأقل، متابعاً «نحن هنا نعيش في ظروف تفتقر إلى مقومات الفرح، ولكن نرغب في الابتهاج».
فرحة منقوصة
يصر العريسان روز ومحمد ألا يحرمهما الاحتلال من بهجتهما، وأن يأخذوا حقهم من الحياة عنوة، قالت روز التي حرمت من تحقيق حلمها بأن تزف في يوم عرسها بفستان أبيض «تكلف أبي بجهاز آخر بدل عن الذي حرق وقصف مع شقاء عمره بأسعار جنونية لشح البضائع في الأسواق منذ اندلاع الحرب»،
ورغم كل الصعوبات إلا أنها ترى أن وجوده بجانبها يخفف من وطأة الظروف القاسية من حواجز ونزوح وانقطاع الاتصال المتكرر، وأكدت أن حبنا هو البيت والأمان والمكان الذي لا نجده إلا حين نكون معًا.
في نفس السياق، تابعت «نحن نعيش في زمن يُعدّ فيه الحب مقاومة، فجاء قراري كنوع من القوة والتحدي، اخترنا يوم مميز بتاريخه فقط 24.4.2024 بدل عن يوم فرحي المؤجل بكل تفاصيلها وأفكارها»، وأضافت روز لإذاعة صوت الوطن «زفيت وحدي مع قلة من العائلتين فى بيت عمتي، كانت زفتي حزينة لا اغنية فيها ولا حتى زغروطة، ناقصة من الأهل والأصدقاء ولا حتى عمي الشهيد وسيم الذي طالما توعد لفرحي،حاولنا أن نسرق لحظة فرح وسط الموت والدمار».
العروس النازحة
وأمام سطوة الحصار المفروض على شمال قطاع غزة، اضطرت العروس إيمان أبو دان أن تسلك طريق النزوح تاركة وراءها جهاز عروس كاملاً لم تملأ منه سوى حقيبة صغيرة، لطول الطريق وحواجز الاحتلال الذي تفصل المدينة عن بعضها .
تقول إيمان إنّ «رؤية الحزن في عيون الناس جعلتني أشعر أنّ غزة لن تخرج من حزنها لمدةٍ طويلة، ولن تكون هناك فرصة لإقامة حفل زفاف كما كنت أحلم في ظل الموت، اعتدنا أن نحترم أحزان بعضنا ولن أقبل أن يكون هناك حفل زفاف وخطيبي لن يقبل بحفلة وموسيقى وغيره، سنحتاج وقتاً طويلاً حتى نتجاوز الألم الذي أصابنا في هذه الحرب».
تنفي ايمان ندمها على الإقدام على خطوة الزواج بالحرب، فقد أكرمها الله برجل تشاركه خوفها وتتكئ عليه حين تفتر أو تضعف، كما تقول.
رسالة مقاومة وصمود
ترى أستاذة علم الاجتماع الأكاديمية هالة منصور أن الزواج في أثناء الحروب ولا سيما ما يتعلق بالوضع الفلسطيني هو بلا شك نوع من أنواع المقاومة، ورسالة واضحة بأن الحياة مستمرة، وبأن هذا الشعب لا ينكسر مهما كانت النكبات. مشددة على أن هذا النوع من التصرفات يمثل استفزازاً للعدو.
وتابعت «كأنه خطاب سياسي ينادي بالتحدي والصمود وإثبات الوجود»، تفسر منصور الأمر بأن «ثقافة الحياة هي الموجودة في قطاع غزة وأن هؤلاء الناس مثلهم مثل كل شعوب الأرض، يشعرون بالفرح ويرغبون بالحياة، وهي رسالة لإسرائيل أيضا بأن ما هو موجود في غزة هي ثقافة الحياة وليس ثقافة الموت، وأن هنا أناس عاديين مثل كل الناس مثل كل شعوب العالم لهم طموحهم وآمالهم ورغبة بالحياة ورغبة بالاستمرار دون أية معوقات».
من جانبه، أكد المستشار الإعلامي للأونروا عدنان أبو حسنة أن إقامة حفل الزفاف في إحدى مدارس الإيواء هو رسالة إنسانية بامتياز تعبر عن إصرار ورغبة سكان قطاع غزة في استمرارية الحياة وتجاوز كل المحن والصعاب.
ومضافًا فى غزة يحافظون على كل ما يرسيها ويبقيها، فالزواج قائم، والنسل مستمر، والحياة سنعيشها ونقتنص منها الفرح مهما طغت الأحزان، هذا هو مبدأ الفلسطينى الحر، فرغم العدوان المستمر على غزة، وفى خطوة تحمل رسالة وأمل، حرص عدد كبير من الشبان الفلسطينيين على الزواج فى مدارس الإيواء ومناطق النزوح، ما يؤكد تمسك الفلسطينى بأرضه وحرصه على استمرار نسله بإنجاب أجيال جديدة تحمل راية فلسطين على الأرض الطيبة.
الكلمات المفتاحية: المدارس, الافراح, المدافع, مخيم المغازي, الدمار, الحب, غزة, مراكز الايواء.