كتب فؤاد بكر القاضي الفلسطيني في المحكمة الدولية لتسوية النزاعات،
لابد من التفريق بين جبهة اسناد الشعب الفلسطيني التي إنطلقت من جنوب لبنان منذ 8 تشرين الاول عام 2023، وبين الحرب الشاملة التي شنها العدو الصهيوني على كل لبنان في نهاية أيلول عام 2024، والتي أطلق عليها حزب الله معركة “أولي البأس”، والتي سطر فيها حزب الله والمقاومة اللبنانية أروع الملاحم البطولية بوجه الاعتداءات الاسرائيلية، وعدم تمكن جيش الاحتلال الاسرائيلي من احتلال جنوب لبنان، وتنفيذ مخططاته الاستعمارية أو حتى فرض معادلة سياسية تفرض توقيع اتفاقيات تطبيع واستسلام، أو معادلة عسكرية تهدف الى القضاء على المقاومة اللبنانية في جنوب لبنان.
لقد بلغ حجم العمليات العسكرية التي أطلقتها المقاومة اللبنانية منذ 8 تشرين الاول أكثر من 4637 عملية عسكرية معلن عنها خلال 417 يوما، ومن ضمنها 1666 عملية عسكرية منذ بدء العدوان الاسرائيلي بحربه الشاملة على لبنان، والتي أدت الى مقتل 130 جنديا وضابطا اسرائيليا، واكثر من 1250 جريح، وتدمير 59 دبابة ميركافا، واسقاط 8 مسيرات اسرائيلية، وبإعتراف نتنياهو خلال مؤتمره الصحفي عند اعلانه الموافقة على وقف اطلاق النار، قال أنه يجب اعادة تنشيط قوات الجيش الاسرائيلي والتغلب على القيود المفروضة على توريد الأسلحة لإسرائيل، وهذا يدل على حجم الخسارة التي تكبدها جيش الاحتلال الاسرائيلي.
وبينما فتح نتنياهو الافاق لاعادة شن هجوم على لبنان معتبرا ان الحرب مع لبنان لم تنته بعد، وهو يعلم جيدا أن بنية المقاومة اللبنانية العسكرية لاتزال قوية، رغم تأثرها نسبيا في بداية الحرب إثر الاغتيالات التي قام بها جيش الاحتلال الاسرائيلي، مما يفتح المجال أمام خروقات تحصل خلال مدة سريان اتفاق وقف اطلاق النار أي خلال 60 يوما، وهي المدة المتبقية لتولي دونالد ترامب في 20 كانون الثاني من العام 2025 منصبه في البيت الابيض.
وبعد اعلان وقف الحرب على لبنان، ستتغير التكتيكات العسكرية بين المقاومة اللبنانية والمقاومة الفلسطينية في جبهات الاسناد، حيث ان جبهات الاسناد ستواصل عملها ولكن بتكتيكات مختلفة، لاسيما بعد أن تبين حجم ترابط وحدة مصير المنطقة بين لبنان وغزة، حيث ان جبهة لبنان ساندت ودعمت المقاومة الفلسطينية في ابطال مشروع الشرق الاوسط الجديد الذي كان يرسمه نتنياهو مع الادارة الاميركية وبعض الدول العربية المطبعة مع اسرائيل، ومع تراجع هذا الهدف، يصبح تحقيق النصر أسهل بكثير في قطاع غزة.
وبينما أسقطت المقاومة اللبنانية جزئيا مشروع الشرق الاوسط الجديد من الجهة اللبنانية، وتراجع اسرائيل عن اهدافها، فهذا يعني ان المشروع قد فشل ايضا في قطاع غزة، ولن يتمكن الكيان الصهيوني من الاستمرار بمخططه الاستعماري في قطاع غزة.
لذلك، فإن جبهات الاسناد تكاملت مع بعضها البعض في اسقاط مشروع الشرق الاوسط الجديد الذي سقط في لبنان، ويجري افشاله في قطاع غزة، لاسيما وان ادارة ترامب عازمة على استكمال صفقة القرن التي أطلقت في بداية عام 2020، والتي تهدف الى ضم الاراضي الفلسطينية في الضفة الغربية والقدس، وانهاء عودة اللاجئين، واستكمال مشروع التطبيع مع الدول العربية، لاسيما مع المملكة العربية السعودية.
ليس صحيحا القول أنه إذا تم اعلان وقف اطلاق النار فلماذا إستكملت المقاومة اللبنانية جبهات الاسناد؟ لانه إذا أردنا ان نكون عقلانيين ومدركين لحجم المخطط الاسرائيلي لمنطقة الشرق الاوسط ومحاولته لتغيير المعادلات والهيمنة عليها، نستطيع القول ان جبهات الاسناد قد كانت من أهم القرارات التي سيسطرها التاريخ للمقاومة اللبنانية.
ومن هنا يمكن القول، أنه ومع صمود المقاومة الفلسطينية والشعب الفلسطيني في قطاع غزة لمدة تزيد عن السنة، رغم حرب التجويع والابادة الجماعية، فإن تحقيق الانتصار صار شبه محسوم، وفي ايام معدودة، وفعلا قد سطر كل من حزب الله وفصائل المقاومة اللبنانية الى جانب المقاومة الفلسطينية أروع الملاحم البطولية التي دخلت التاريخ، حيث انه لأول مرة تخوض اسرائيل حربا لمدة تزيد عن الشهرين، وتخسر معادلة الردع السريع، وتخسر هيبتها امام المجتمع الدولي، ويلاحق قياداتها في المحاكم الدولية، كما خسرت اسرائيل وظيفتها في المنطقة لعدم تمكنها من حماية نفسها، وبالتالي فلن تستطيع حماية المصالح الاميركية في هذه المنطقة.
الكلمات المفتاحية: غزة, لبنان, القضية الفلسطينية, المحكمة الجنائية الدولية, تكامل الجبهات, فؤاد بكر.