كتب معتصم حمادة عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
■ تبدو السلطة الفلسطينية محقّة في دعوتها إلى «سلطة واحدة، وقانون واحد، وبندقية أمنية واحدة»، لكنها في الواقع العملي، تتعامي عن الواقع، وتخلط الأمور فيما بينها.
فليس هناك في الحالة الفلسطينية في الضفة، من يزاحم السلطة على دورها في إدارة الشأن العام، وكذلك ليس هناك في الحالة الفلسطينية من يحاول أن يفرض قانوناً بديلاً لقانون السلطة، كذلك ليس هناك من يحاول أن يقدم بندقية بديلاً لـ«بندقية السلطة» في حفظ الأمن في الضفة الفلسطينية.
وحده الاحتلال من يتجاوز السلطة ويتجاهلها، ويضرب بعرض الحائط بالاتفاقات المعقودة بينهما.
ومع ذلك لا نلاحظ أن السلطة، تتصدى للاحتلال في «تجاوزاته»، فهو يقتحم رام الله، بآلياته وضباطه وجنوده، ويعتقل المواطنين الخاضعين للسلطة الفلسطينية، والتي يفترض أن تكون حامية لهم من «الاحتلال»، كذلك يفعل المستوطنون الأمر نفسه، حين يدمرون القطاع الزراعي، فيتلفون شجر الزيتون، أو يحرقونه، ويصبون ماءهم الآسن في حقول الفلسطينيين، الذين تغيب السلطة الفلسطينية عن حمايتهم.
إذن، «خصم» السلطة ومنافسها في صلاحياتها هو الاحتلال. وليس أياً من أطراف الحالة الفلسطينية، والاحتلال هو الذي يدير ظهره للاتفاقات الموقعة مع السلطة، في عنجهية سافرة، يستهدف منها التطاول على الكرامة الوطنية للشعب الفلسطيني، وسلطته، بإداراتها وأجهزتها.
بُحتَ الأصوات وهي تدعو السلطة لمعالجة هذا الوضع بإجراءات عملية وفاعلة ومؤثرة، منها مثلاً:
- لماذا تبقي السلطة على اعترافها بدولة الاحتلال، ولا تعمل على تنفيذ قرارات الشرعية الفلسطينية، بسحب الاعتراف بإسرائيل إلى أن توقف الاستيطان، وتلغي قرار ضم القدس، وتطلق سراح الأسرى في سجون الاحتلال، سحب الاعتراف قرار سيادي تعطل القيادة السياسية للسلطة الفلسطينية تنفيذه.
- ما زالت السلطة على وفائها للتعاون الأمني مع قوات الاحتلال، إما استخباراتياً أو في مجالات أخرى (أليس غريباً أن تلقي قوات الاحتلال القبض على المواطنين بعد أن تكون السلطة قد اعتقلتهم قبلها؟!)، فكيف إذن تتعاون السلطة مع جيش الاحتلال الذي ينتهك سيادتها على أرضها، ويستخف بقانونها، ولا يقيم وزناً لـ«بندقيتها الواحدة»؟. أين ذهبت في هذا السياق تأكيدات القيادة السياسية على سيادة «البندقية الواحدة»؟!
- ولماذا تبقى السلطة الفلسطينية على الارتباط الاقتصادي مع دولة الاحتلال، وهي التي تعاقب الشعب الفلسطيني بالاعتقالات والإعدامات، وهدم المنازل، ومصادرة الأراضي، وتدمير القطاع الزراعي، وإتلاف القطاع الفلاحي، ومصادرة أموال المقاصة بذرائع مختلفة، بحيث تختل موازنة السلطة، وتفشل في دفع الرواتب كاملة ومنتظمة لموظفيها والعاملين فيها.
«بندقية المقاومة» ليست بديلاً لـ«بندقية السلطة» إلا حين تغيب «بندقية السلطة» عن الدفاع عن الشعب الفلسطيني، فتتقدم بندقية المقاومة لتفعل ذلك.
أي حين تغيب «البندقية الواحدة» (أي بندقية السلطة) عن أداء واجبها في الدفاع عن شعبها، تحضر عنها «بندقية المقاومة».
هذه معادلة صاغها الشعب الفلسطيني بإرادته الوطنية، وحرصه على كرامته الوطنية، وبإخلاصه لأرضه ووطنه، والتزاماته بواجبه النضالي ضد الاحتلال.
إذا كانت القيادة السياسية للسلطة الفلسطينية ترى في المقاومة، مصدراً للفوضى والتوتر، والعبث، وتتمسك بالمقابل بـ«المقاومة السلمية»، فهي مدعوة إلى أمرين:
أولاً: أن تتقدم الصفوف في «المقاومة السلمية»، كالعمل على مقاطعة الاقتصاد الإسرائيلي، وتأمين البدائل عبر دعم القطاع الزراعي، والفلاحة، وقطاع الصناعة، وقطاع الخدمات وتطوير خدماتها، بديلاً للاعتماد على الإسرائيليين، بذلك تكون السلطة قد ألحقت بالاقتصاد الإسرائيلي خسائر كبرى، وعززت الإلتحام بين الشعب وسلطته وإداراتها.
ثانياً: العمل على سحب الاعتراف بإسرائيل، وإبلاغ الأمم المتحدة بذلك، والإعلان أن إسرائيل دولة احتلال وعدوان، وإحالة ملفاتها الإجرامية إلى مجلس الأمن، ومجلس حقوق الإنسان، و«محكمة لاهاي»، والمحكمة الجنائية، ورفع دعاوى ضد ضباط الاحتلال وجنوده، الذين ارتكبوا جرائم ضد الشعب الفلسطيني، وإحالة ملفاتهم إلى المحاكم الأوروبية، التي تعتبر نفسها معنية بمثل هذه الملفات، كهولندا وبلجيكا وبريطانيا وغيرها …
- ولتبلغ قوات الاحتلال، قرارها بإجراءات أمنية، تمنع قوات الاحتلال من تجاوز حدود المنطقة (أ)، عملاً بـ«اتفاق أوسلو»، وتحمل قوات الاحتلال أية مسؤولية عن تجاوزها لهذا الأمر، عندها لن تكون الأجهزة الأمنية للسلطة وحدها، بل سيقف إلى جانبها أبناء الشعب الفلسطيني.
وهنا كخلاصة، تدرك السلطة الفلسطينية وقيادتها السياسية، أن غيابها عن الدفاع عن الشعب وأرضه وكرامته، هو ما دعا بندقية المقاومة لتحل محل «البندقية الواحدة»، التي تلتزم «اتفاق أوسلو»، الكرة الآن في ملعب السلطة وقيادتها السياسية ■
الكلمات المفتاحية: غزة.