غزة| إذاعة صوت الوطن
كتب الصحفي من شمال غزة، وعضو الأمانة العامة لنقابة الصحفيين الفلسطينيين، وسام زغبر، مقالًا سلّط فيه الضوء على مخلفات الحرب، ولا سيما خطر انهيار أسقف المنازل المتضررة في قطاع غزة، جراء حرب الإبادة المتواصلة.
وهذا نص المقال:
في قطاع غزة، لا تنتهي الحرب بانتهاء القصف، ولا يُطوى فصل الموت مع صمت الطائرات. فبعد كل عدوان، تترك إسرائيل وراءها إرثًا أكثر خبثًا وأطول عمرًا: الذخائر غير المنفجرة، والمباني المدمَّرة جزئيًا، والبنية التحتية الهشّة التي تتحول مع الوقت إلى أدوات قتل صامتة. هنا، يصبح المشي فعل مخاطرة، والعيش اليومي مواجهة مفتوحة مع آثار حرب إبادة لم تتوقف فعليًا، بل غيّرت شكلها.
الذخائر غير المنفجرة، المنتشرة في الشوارع وتحت الأنقاض، ليست «مخلفات حرب» بالمعنى التقني البارد، بل قنابل موقوتة تواصل حصد الأرواح، خصوصًا بين الأطفال. إلى جانب ذلك، تشكّل المنازل المتصدعة خطرًا لا يقل فتكًا. فمنذ مطلع الشهر الجاري، توفي 20 مواطنًا في قطاع غزة جراء انهيار 22 منزلًا، في مشهد يلخص كيف يتحول الركام إلى قاتل متربص، وكيف تصبح البيوت، التي يُفترض أن تكون ملاذًا آمنًا، مصائد موت جماعي.
في غزة، لا يحتاج الموت إلى طائرات أو صواريخ؛ يكفي جدار متآكل، أو سقف مهدد بالسقوط، أو ذخيرة مدفونة تحت التراب، لتقع الفاجعة. إنها جريمة مستمرة، تطيل زمن الإبادة، وتحوّل ما يُسمّى «ما بعد الحرب» إلى مرحلة أكثر قسوة، لأن الخطر فيها غير مرئي، لكنه دائم الحضور.
في هذا السياق، تبرز مسؤولية المؤسسات الدولية، وفي مقدمتها الصليب الأحمر ومكتب دائرة الأمم المتحدة المعنية بالأعمال المتعلقة بالمخلفات والذخائر. فحين يخيّم الصمت على مواقف هذه الجهات، يصبح هذا الصمت أقرب إلى التواطؤ منه إلى الحياد. اتفاقيات جنيف وملحقاتها واضحة: حماية المدنيين بعد النزاعات، وإزالة الأخطار المتبقية، واجب قانوني وأخلاقي لا يقبل التأجيل. تجاهل غزة ليس تقصيرًا إداريًا، بل خرقًا فاضحًا للقانون الدولي، وإهانة لمبادئ الإنسانية التي تُرفع كشعارات في المحافل الدولية.
ولا تتوقف المسؤولية عند حدود المنظمات الأممية. فالأطراف الضامنة لخطة وقف الحرب، والموقعة على «إعلان شرم الشيخ»، والدول الثماني العربية–الإسلامية، مطالَبة اليوم بتحمّل دورها الكامل. الضغط الجدي على إسرائيل للسماح بإدخال المعدات والخبرات اللازمة لإزالة الذخائر غير المنفجرة، وتقييم سلامة المباني، ودعم جهود الإيواء والترميم، ليس خيارًا سياسيًا، بل واجبًا أخلاقيًا وقانونيًا. كل تأخير يعني مزيدًا من الضحايا، ومزيدًا من فقدان الثقة في نظام دولي يثبت عجزه أو انحيازه.
وفي ظل هذا الواقع القاتم، تتعالى نداءات فرق السلامة والدفاع المدني، مناشِدةً سكان المباني غير الصالحة للسكن إخلاءها فورًا، والالتزام بالتعليمات الصادرة عنها، تفاديًا لمآسٍ جديدة. غير أن هذه المناشدات، على أهميتها، تبقى محدودة الأثر ما لم تُرفق بحلول حقيقية، تضمن بدائل سكنية آمنة، وتمنع تحوّل الفقر والحصار إلى عامل إضافي يدفع الناس للمخاطرة بحياتهم.
غزة اليوم لا تحتاج إلى بيانات إدانة ولا إلى خطابات تضامن موسمية، بل إلى فعل ملموس يزيل الموت من تحت أقدام أهلها. إن ترك المدنيين يواجهون مخلفات حرب الإبادة الإسرائيلية، من ذخائر قاتلة ومنازل آيلة للسقوط، بلا حماية حقيقية، هو جريمة مضاعفة، يتحمل وزرها كل من يملك القدرة على التدخل ويختار الصمت. ففي غزة، الصمت ليس حيادًا، بل شريكًا خفيًا في استمرار المأساة.
الكلمات المفتاحية: غزة, ضحايا, الإبادة, مخلفات الحرب, الذخائر.