غزة– خاص إذاعة صوت الوطن– شيماء الدرة
تتصاعد أوجه المعاناة الصحية في قطاع غزة بشكل لم يعد يحتمله الجسد البشري، ولا يقدر القلب على احتماله.
فالأزمة لم تعد مجرد نقص في الدواء أو غياب للمعدات، بل أصبحت قصة موت بطيء واستمرارًا للإبادة ولكن بشكل خفي حتى لو كرر العالم أكذوبة وقف إطلاق النار..
قصص المرضى تتجاوز الأرقام. أطفال مبتورو الأطراف ينتظرون، مصابون بالسرطان يتألمون دون جرعة مسكن بسيطة، ومرضى الكلى يجرّون أجسادهم إلى جلسات غسيل غير منتظمة، وأطباء يعملون لساعات طويلة وسط العجز والإرهاق، ويضطرون أحيانًا لاتخاذ قرارات موجعة لأن ما بأيديهم لا يكفي لإنقاذ الجميع.
حتى داخل غزة، يصف الأطباء الوضع بأنه «إبادة صحية»، مع نقص يتجاوز 56% من الأدوية الأساسية وانعدام المستلزمات في غرف العمليات والطوارئ، في وقت يحتاج فيه مئات الآلاف إلى علاج مستمر.
معاناة المرضى
قال شعبان شراب (51 عامًا) في حديث لإذاعة «صوت الوطن»: إنه يكافح منذ ثلاثة أسابيع في البحث عن أي علاج مناسب لابنته (26 عامًا) المصابة بسرطان الرئة ولم تتلق أي جرعات علاج بالكيماوي منذ السابع من تشرين أول/أكتوبر 2023، ما سبب تدهورًا بالغًا في حالتها الصحية.
أما السيدة خولة ربحي (45 عامًا) النازحة في المحافظة الوسطى، فإنها تعاني من مرض السكري من النوع الأول، ولا ينتج جسمها كمية كافية من الإنسولين الذي ينظم نسبة السكر في الدم، وتتدهور حالتها بشدة منذ عشرة أيام بسبب عدم العثور على جرعات الإنسولين.
إسقاط المنظومة الصحية
من جهتها، تصف مديرة وحدة المختبرات وبنوك الدم لدى وزارة الصحة الفلسطينية في قطاع غزة صوفيا زعرب لإذاعة «صوت الوطن» واقع المختبرات بعد عامَين من حرب الإبادة الإسرائيلية، بأنّه «كارثي بكلّ المقاييس»، وتقول إنّ «أكثر من 90% من مختبرات الوزارة خرجت عن الخدمة، وقد نفدت كلياً محاليل أساسية مثل أملاح الدم وغازات الدم، الأمر الذي من شأنه أن يهدّد حياة الجرحى».
ويرى مدير وحدة المعلومات الصحية لدي وزارة الصحة في غزة زاهر الوحيدي أنّ «الكارثة لم تعد مجرّد خطر يهدّد المستقبل بل صارت واقعاً يومياً»، مؤكّداً أنّ «الوضع الصحي تجاوز مرحلة الانهيار والكارثة؛ أن من بين أجهزة التصوير المقطعي الطبقي لم يتبقَّ سوى ستّة، فيما تعطّلت كلّ أجهزة التصوير بالرنين المغناطيسي بالكامل، البالغ عددها سبعة أجهزة. وثمّة جهاز قسطرة قلبية وحيداً ما زال يعمل في مستشفى الخدمة العامة (بمدينة غزة)، في حين لم يتبقَّ سوى 49 مولداً كهربائياً من أصل 149 كانت تغذّي المستشفيات، وتسع محطات أوكسجين تعمل من أصل 39».
قيود تعرقل وصول الإمدادات
ورغم إرسال مئات الأطنان من المواد الطبية والإغاثية منذ دخول وقف إطلاق النار المدعوم أميركيًا حيز التنفيذ الشهر الماضي، إلا أن الكميات المتاحة لا تزال بعيدة عن تلبية الاحتياجات المتصاعدة.
تشير وزارة الصحة الفلسطينية في غزة إلى وجود نحو 10,000 مريض سرطان تعطلت حياتهم وعلاجاتهم بالكامل داخل قطاع بلا أدوية ولا أجهزة ولا كادر كافٍ. أما مرضى الكلى فقد كانت معاناتهم الأكثر فداحة، مع تسجيل وفاة نحو 650 مريضًا بعد فشل حصولهم على جلسات غسيل منتظمة أو علاج مناسب، ليتحول المشهد كله إلى دليل قاطع على موت بطيء يُفرض على المدنيين بلا استثناء، بالاضافة إلى نحو 50 ألف مريض مصاب بأمراض القلب والأوعية الدموية، وأكثر من 60 ألف مريض بالسكري، وغيرهم من آلاف أصحاب الأمراض المزمنة دون رعاية صحية فعلية.
انتهاك للقانون الدولي
قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إن «من تُكتب لهم النجاة من غارات الاحتلال المتواصلة جوًّا وبرًّا وبحرًّا على قطاع غزة يواجهون خطر الموت الوشيك بسبب الأمراض والنقص الحاد بالأدوية في وقت تتفشى فيه الأوبئة بشكل خطير»، مضيفاً أن «جرائم إسرائيل هذه ترتكب في إطار الإبادة الجماعية وضمن حملة العقاب والقتل الجماعي، على النحو الذي يعتبر الأشد دموية في التاريخ الحديث، وعلى أكثر من 2.3 مليون نسمة في قطاع غزة، بما يمثل انتهاكًا جسيمًا ومنهجيًّا للقانون الدولي».
وفي ظل هذا الموت، يجب أن نسمي الأشياء بمسمياتها: هذه إبادة بكل معانيها، وليست مجرد أزمة صحية. المرضى الذين يموتون في الطوابير وعلى أبواب المعابر ليسوا أرقامًا، بل بشر لهم أسماء وحكايات وعائلات تنتظر عودتهم. وما لم تُفتح طرق آمنة ودائمة للعلاج وتُستعد الحياة إلى المستشفيات المدمرة، ستستمر هذه المأساة في ابتلاع المزيد من الأرواح، بصمت ثقيل يشبه صمت العالم نفسه.
الكلمات المفتاحية: الأدوية, غزة, الاحتلال, الحصار, تقييد.