تنقل صحيفة “هآرتس” العبرية عن عدد من خبراء القانون الدولي تحذيراتهم من أن انتهاء الحرب لن يُسعف إسرائيل في لاهاي، مشددين على أن اعتقال المدعية العسكرية العامة على خلفية تفاعلات غوانتانامو الإسرائيلي (سديه تيمان) زاد من تدهور مكانتها، وأن الرئيس ترامب، وبخلاف ما يشاع، ليس بوليصة تأمين لها.
رغم العقوبات التي فرضها ترامب على القضاة والشهادات التي قُدّمت ضد المدعي كريم خان، فإن المسار القضائي ضد إسرائيل ومسؤوليها مستمر
ويقول تقرير موسع لـ”هآرتس” إن عامًا مضى منذ صدور أوامر الاعتقال بحق نتنياهو وغلانت، وعامين منذ أن رفعت جنوب أفريقيا دعواها أمام محكمة العدل الدولية. ومع ذلك، ورغم العقوبات التي فرضها ترامب على القضاة والشهادات التي قُدّمت ضد المدعي كريم خان، فإن المسار القضائي ضد إسرائيل ومسؤوليها مستمر.
ويرى التقرير أن إسرائيل بلغت في تشرين الثاني/نوفمبر 2024 دركًا غير مسبوق من ناحية مكانتها الدولية، عقب إصدار المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي أوامر اعتقال بحق رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الأمن السابق يوآف غالانت بعد أن وجدت المحكمة “أساسًا معقولًا” للاعتقاد بأن الرجلين مسؤولان عن ارتكاب جرائم حرب في غزة.
ويشير المحلل القضائي الإسرائيلي إلى أنه من وجهة نظر إسرائيل، جاء قرار المحكمة بإصدار أوامر الاعتقال ضد كبار مسؤوليها امتدادًا لمسار قضائي آخر بدأ قبل نحو عام في محكمة العدل الدولية في لاهاي، حيث اضطُرت إسرائيل إلى الدفاع عن نفسها ضد اتهامات بارتكاب إبادة جماعية في الدعوى التي رفعتها ضدها جنوب أفريقيا.
ويضيف: “منذ ذلك الحين، ورغم أن المحكمة أصدرت أوامر مؤقتة خلال سير المحاكمة، فإن الإجراءات ما زالت مستمرة، ويُتوقع أن تمتد لسنوات طويلة قبل صدور حكم نهائي. ومع ذلك، بدا في الأشهر الأخيرة للكثير من الإسرائيليين أن القضية طويت ونُسيت، وذلك جزئيًا بفضل اتفاق وقف إطلاق النار وبسبب الموقف المتصلّب الذي تتبناه الولايات المتحدة تجاه المحاكم الدولية في لاهاي”.
ويتساءل التقرير عن صحة ذلك، ويستطلع آراء خبراء في القانون الدولي لرسم صورة دقيقة لمسار الإجراءات ضد إسرائيل ومسؤوليها، ولمعرفة مدى تأثير المتغيرات السياسية على تلك المسارات، إن كان لها تأثير أصلًا.
ترامب ليس بوليصة تأمين
ضمن التقرير، تقول البروفيسور تمار هوستوفسكي برانديس من الأكاديمية “كريات أونو”: “سادت في إسرائيل قناعة مفادها أنه في عهد ترامب لم يعد للقانون الدولي أي وزن، وبالتالي لا داعي للخوف من تبعاته، لكن هذا غير صحيح. فالإجراءات ضد إسرائيل قد تنتهي بعد انتهاء عهد ترامب، غير أن آثارها قد تظل تلاحقها لسنوات طويلة”.
كما توضح “هآرتس” أنه علاوة على ذلك، يتضح من أحاديث الخبراء أن تطورات الساعة- وفي مقدمتها قضية معتقل “سديه تيمان” والمدعية العسكرية السابقة، إضافةً إلى تصريحات وزير الأمن بشأن تعيين خليفتها- تسهم هي الأخرى في تعميق تراجع مكانة إسرائيل في العالم، المتدهورة أصلًا.
وتعلل ذلك بالقول إن هذه الأحداث لا تأثير مباشر لها على الإجراءات الجارية في لاهاي، إلا أن صورة إسرائيل باتت تتكرس كدولة لم تعد منظومتها القضائية قادرة على التحقيق بنفسها في الجرائم التي يرتكبها جنودها.
ويتفق معها في هذا المضمار إلياف ليبليخ، أستاذ القانون الدولي في كلية الحقوق في جامعة تل أبيب، قائلاً: “في نظر العالم، يُنظر إلى قضية المدعية العسكرية السابقة بهذا الشكل البسيط: المسؤولة عن التحقيق في جرائم الحرب داخل إسرائيل أُقيلت ثم اعتُقلت، على خلفية واحدة من الحالات النادرة في الحرب التي حاولت فيها التحقيق في تجاوزات ارتكبها جنود الجيش الإسرائيلي بحق الفلسطينيين”.
ويضيف: “حادثة تسريب واقعة تعذيب الأسير في قاعدة سديه تيمان، والاشتباه في عرقلة سير التحقيقات، تُعد تفصيلًا هامشيًا أمام هذه الحقيقة الجوهرية، ولا سيما بعد انكشاف الضغوط التي مورست على النيابة العسكرية لعدم فتح تحقيقات في مثل هذه القضايا”.
كما يقول ليبليخ إن أحد الأسباب الرئيسية لتورط إسرائيل في الإجراءات أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي هي التصريحات القاسية وغير المسؤولة التي أدلى بها عدد من كبار مسؤوليها، والتي استشهدت بها المحكمة في أوامرها المؤقتة، باعتبارها مؤشرات على نية إسرائيل تنفيذ إبادة جماعية في غزة.
الحملة على الجهاز القضائي
كما أن “قرار المستشارة القانونية للحكومة، غالي بهراب-ميارا، بعدم فتح تحقيق ضد سياسيين بارزين حرّضوا على إيذاء سكان القطاع، لم يُسعف موقف إسرائيل. ويبدو، للأسف، أن الائتلاف الحاكم لم يتعلم الدرس بعد، إذ لا يزال بعض أعضائه يطلقون تصريحات طائشة، غير مكترثين بما قد تخلّفه من تبعات دولية خطيرة”.
كما يتهم ليبليخ وزير الأمن بالإدلاء بتصريحات “غير ذكية”: “كاتس يقدم المدعي العسكري العام الجديد كشخص منحاز سياسيًا لليمين. وهذا الموقف، إلى جانب الاستخفاف بواجب التحقيق في جرائم الحرب والحفاظ على حقوق الأسرى، سيعرّض جنود الجيش الإسرائيلي بدرجة أكبر للإجراءات القضائية الدولية”.
ويوضح تقرير “هآرتس” أن المثال الأحدث على ذلك قدّمه كاتس، الذي برر اختياره للمحامي إيتاي أوفير لمنصب المدعي العسكري العام الجديد بالقول إنه “رجل صهيوني-متدين ومن سكان المستوطنات في الضفة الغربية، ساهم في تعزيز وترسيخ الاستيطان اليهودي هناك، ودافع عن حق القيادة السياسية في اتخاذ قرارات حتى لو خالفت موقف الجهاز البيروقراطي”.
وأضاف موضحًا: “هذا هو الرجل الذي سيعيد النظام إلى المنظومة، ويغير نهجها لتقف إلى جانب الجنود لا إلى جانب حقوق إرهابيي النخبة”.
وتنوّه الصحيفة إلى أن هذه التصريحات بعثت إشارة واضحة مفادها أن الجيش الإسرائيلي لن تكون له بعد اليوم منظومة قضائية مستقلة، وهو ما يشكل اعترافًا- وإن بشكل غير مباشر- بصحة الادعاءات الموجهة ضد إسرائيل في لاهاي.
وتعلق البروفيسور تمار هوستوفسكي برانديس بالقول: “تصريحات كاتس تعكس ازدراءً لسيادة القانون. وهي لن تفيد جنود الجيش الإسرائيلي، بل بالعكس، إذ تبعث إلى العالم رسالة بأن الجيش لن يحقق أو يقدم للمحاكمة من يُشتبه في ارتكابه جرائم حرب، ناهيك عن أنها في جوهرها تصريحات مرفوضة أخلاقيًا وقانونيًا”.
إيلياف ليبليخ: ليس مستبعدًا أن تكون بعض الدول قد أصدرت أوامر اعتقال سرية بحق إسرائيليين، دون أن تكون إسرائيل على علم بوجودها أصلًا
تحذيرات من إجراءات دولية خارج لاهاي
ويمضي تقرير “هآرتس” في التحذير مما هو محتمل في العالم: “إلى جانب ذلك، ليست الدول ملزمة بأن تكون أعضاء في المحكمة الجنائية الدولية كي تفرض عقوبات أو تتخذ إجراءات ضد إسرائيل”.
والمثال الأبرز على ذلك هو تركيا: ففي الأسبوع الماضي أصدرت أنقرة أوامر اعتقال بتهم الإبادة الجماعية وجرائم ضد الإنسانية بحق 37 مسؤولًا إسرائيليًا، بينهم نتنياهو، وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، وزير الأمن كاتس، رئيس الأركان إيال زمير، وقائد سلاح البحرية دافيد سلمَه.
وتوضح الدكتورة تمر مجيدو أن للدول ولاية قضائية عالمية تتيح لها محاكمة المشتبه في ارتكابهم جرائم دولية جسيمة: “من الممكن أن تُفعّل هذه الولاية ضد إسرائيليين حتى في دول ليست أعضاء في المحكمة في لاهاي”.
ويضيف البروفيسور إيلياف ليبليخ في هذا السياق ملاحظة من شأنها أن تثير قلق الكثير من الإسرائيليين: “ليس مستبعدًا أن تكون بعض الدول قد أصدرت أوامر اعتقال سرية بحق إسرائيليين، دون أن تكون إسرائيل على علم بوجودها أصلًا”.
الكلمات المفتاحية: تل أبيب, الدولية, اعتقال المدعية العسكرية العامة زاد من تدهور مكانتها.. خبراء قضائيون, إسرائيليون, انتهاء الحرب, يحمي, المحاكم, غزة.