غزة – خاص إذاعة صوت الوطن – شيماء الدرة
داخل أروقة مستشفى ناصر في غزة، تنتظر العيون بلهفة ما تبقى من أبناء فقدتهم الحرب، تبحث الأمهات والزوجات عن أي أثر يربطهن بأحبائهن. جثامين طمست ملامحها وتحللت بفعل مرور الزمن، ولم يكتفِ الاحتلال الإسرائيلي بقتلهم، بل نكل بهم بعد الوفاة، طامسًا هويتهم ومتسببًا في ألم نفسي عميق لعائلاتهم.
تروي أفنان القريناوي، زوجة أحد الشهداء، لإذاعة «صوت الوطن»: ” أنها تعرفت على زوجي من خلال أظافره والشق الأيمن من وجهه، إضافة إلى إصابة قديمة في ظهره تعرّض لها خلال مسيرات العودة.” وأضافت أن آثار الضرب على الجثمان تشير إلى أن الاحتلال اعتدى عليه بعد استشهاده، كما أضافت «نعتقد أن الاحتلال يحتفظ بقائمة بأسماء الجثامين وهويات أصحابها، لكنه يخفيها عمدًا لزيادة معاناة ذوي الضحايا»، مشيرة إلى أن عينات DNA أخذت من كل جثمان قبل تسليمه.
أما زوجة الشهيد بهاء الدين الخطيب فتصف لحظة التعرف على جثمان زوجها بالقول: «قلبي بات أشلاء، لكني أواصل البحث عن وداع أخير… قبلة على بقايا جثة أو قطعة قماش.» اشارت إلى أنها تعرف عليه من ملابسه لا من ملامحها التى طمست من آثار التغديب ، بإضافة لآثار عملية جراحية في ساقه اليمني.
هذه الجثامين التي أعادها الاحتلال ضمن اتفاقات وقف إطلاق النار ليست مجرد رفات، بل صرخات صامتة تكشف عن جرائم حرب مكتملة الأركان. يوضح نشأت الوحيدي، منسق الحملة الوطنية لاسترداد جثامين الشهداء لإذاعتنا: «الفحوصات الأولية كشفت عن تهشم في الرأس والصدر والعظام وتمزقات في الأنسجة، ما يدل على عمليات سحق متعمدة تحت جنازير الآليات العسكرية الثقيلة، وليست إصابات معارك.»
في غزة، أصبح الدفن الكريم رفاهية نادرة، ويشير المسؤولون إلى أن عدد المفقودين يتجاوز عشرة آلاف شخص، ولم تُغلق سوى ملفات محدودة عبر التأكد من استشهادهم أو احتجازهم لدى الاحتلال.
توثيق ومعاناة نفسية
ويكشف سامح حمد، عضو لجنة إدارة الجثامين ومختص الأدلة الجنائية في تصريح لإذاعة صوت الوطن، عن طرق بدائية لتوثيق الجثامين، حيث يتم تصوير كل جثمان ونشر الصور بدقة عالية على موقع «صحتي»، وتسجيل الملامح والعلامات والملحقات الشخصية لكل شهيد قبل منحه رمزًا خاصًا.
تثير هذه الحالات تساؤلات حول ازدواجية المعايير الدولية، إذ تُبذل جهود لاسترجاع جثث الأسرى الإسرائيليين بينما يُترك آلاف الشهداء الفلسطينيين تحت الركام أو في ثلاجات الاحتلال. ويطالب خبراء، من بينهم أحمد مسعود، مدير المركز الفلسطيني للمفقودين والمختفين قسريًا، بفتح تحقيق دولي مستقل لتوثيق هذه الجرائم، محذرين من آثارها النفسية العميقة على الأسر الفلسطينية.
الصور، الندوب، والذكريات الباقية على الجثامين تحكي مأساة لا تُرى في الإعلام الدولي، وتؤكد أن حقوق الشهداء الفلسطينيين لم تُحترم، وأن الاحتلال لم يلتزم حتى بالحد الأدنى من الإجراءات الإنسانية، تاركًا خلفه جروحًا مستحيلة الشفاء.
الكلمات المفتاحية: الشهداء, صوت الوطن, جثامين, جثث, غزة.